سورة الأنعام
  القيامة بأعمالهم الباطلة ويجازيهم عليها.
  {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ١٦٠} فالحسنة سيضاعفها له، والسيئة جزاؤها بمثلها، والسيئات ولو كنا نراها صغاراً عندنا فهي عند الله سبحانه وتعالى كبيرة، ألا ترى إلى قوله: {مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}[المائدة ٣٢]، من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة بما فيهم الأنبياء جميعا، فانظر إلى عظم هذا عند الله سبحانه وتعالى، وكذلك بقية المعاصي هي هكذا عند الله سبحانه وتعالى(١).
  وكذلك من زنى، انظر إلى عظم معصيته هذه وفظاعتها، فهو بسبب الزنا سيخلط بين الأنساب ويجعل هذا رحماً لهذا، ويدخل نسبه بين أولئك، ويجعل هذا
(١) سؤال: قد يقال: سلمنا أننا نعلم عظم مثل هذه السيئات التي ذكرتها فكيف نعلم بعظم البعض الآخر مثل سرقة عشرة دراهم، مع قوله تعالى: {فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ١٦٠}[الأنعام]؟
الجواب: سرقة عشرة دراهم هي سرقة صغيرة وجرم صغير في بادئ الرأي، ولكن الله تعالى قد بين كبر ذلك على لسان رسوله ÷ حيث جاء عنه ÷: «حرمة مال المسلم كحرمة دمه»، «ألا إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ..» أو كما قال. وبعد، فأخذ مال المسلم عليه بغير حق ظلم يترتب عليه فساد كبير، فالمأخوذ عليه سيغتاظ ويحقد على الآخذ ويشايعه على ذلك إخوته وأولاده وأولياؤه و ..، وقد يحصل بسبب ذلك قتل وعداوات وانتقام تنتهك فيه الحرمات ويقلق الأمن وتراق دماء وتفسد أموال، وقد يتفشى الفساد فيعم أمة كبيرة، وكل ذلك بسبب سرق عشرة دراهم أو اغتصابها أو خيانتها، فجريمةٌ من شأنها أن يترتب عليها مثل ما ذكرنا حقيقة بأن يعاقب صاحبها بعقاب عظيم في الدنيا والآخرة، وحقاً فقد قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٣٨}[المائدة]، فهذا الجزاء الكبير في الدنيا وفي الآخرة عذاب النار الخالد، وما ذاك إلا لعظم الجريمة. ومثل ما ذكرنا انتهاك عرض المسلم وأذاه في نفسه أو ذويه بكلام أو بإيلام.