محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الأنفال

صفحة 17 - الجزء 2

  هروبهم هذا عندما عرفوا أنهم سيقتلون عن آخرهم، وأن الدائرة عليهم، وما داموا هكذا فلا بأس أن يهربوا إلى فئتهم ومركزهم؛ ليستعيدوا قواهم ويبنوا صفوفهم من جديد، ويتهيئوا للكرة بعد الفرة؛ ولهذا ذم الله سبحانه وتعالى الذين فروا يوم أحد عندما فروا وهربوا وتركوا النبي ÷؛ لأنهم لم ينحازوا في هروبهم هذا إلى فئة، بل هربوا متشتتين في البلاد.

  {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ١٧} لستم الذين قتلتم قريشاً أيها المسلمون، ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي قتلهم بتدبيره لأسباب النصر والظفر لنبيه ÷، وأسباب الهزيمة والقتل للمشركين.

  {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} أخذ النبي ÷ حفنة من التراب خلال المعركة ورمى بها في وجه العدو، وقال: «شاهت الوجوه»، فلم يبق أحد منهم إلا أصابه في عينه من هذا التراب، والله تعالى هو الذي هيأ ذلك ودبره، وألقى الرعب في قلوب المشركين، وما فعله من تقليل المشركين في أعين المسلمين، والعكس على أعين المشركين عندما تصافوا للقتال، فهو من تدبيره سبحانه وتعالى، فما إن ابتدأت المعركة إلا والمشركون يرون المسلمين على خلاف ما كانوا يرونهم من قبل، وكثروا في أعينهم حتى ملأوا ساحة المعركة، فولوا عند ذلك هاربين مفزوعين، فهذا معنى {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وليس معناه أن الله فعل الرمي حقيقة كما تستدل على ذلك المجبرة.


= الرأي من أصحابه، فإن رأى بعد ذلك وتوقع أن في الوقوف في وجه العدو هلاك الواقفين فتح باب الرخصة للمقاتلين بالانسحاب ولا يجوز له أن يلزمهم بالوقوف مع ظن الهلاك، وإن رأى الأمير الوقوف في وجه العدو بعد حسن النظر والمشاورة فلا يجوز الفرار ولا رخصة، وطاعة الأمير واجبة، ولا عبرة بظن الأفراد أو بعضهم. هذا، وقد يكون مع الأمير فئة قليلة ولكن لأفرادها نفوس قوية وعزائم نافذة ومعنويات مرتفعة ولهم خبرة وتجارب قتالية و ... إلخ، وقد يكون معه فئة كبيرة ولكن أفرادها على خلاف أفراد الفئة القليلة، فللأمير نظره وحسن رأيه في ذلك.