سورة الأنفال
  {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا} قتل الله سبحانه وتعالى المشركين، وأيد المؤمنين بنصره وتأييده لأغراض ومصالح يعلمها، ولأجل أن ينعم على المؤمنين بالنصر والظفر(١) عندما أطاعوا النبي ÷ وأخلصوا معه في المعركة، وفي دعائهم لله سبحانه وتعالى، وكان النبي ÷ لم يشاورهم عند خروجهم من المدينة، وإنما أمرهم بأن يخرجوا لما وعدهم الله سبحانه وتعالى من السيطرة والاستيلاء على إحدى الطائفتين فلما رأى النبي ÷ أنه لا بد من مواجهة المشركين ذوي الشوكة، وأنه لا بد من القتال فحينئذ جمعهم النبي ÷ للمشاورة، وطلب منهم المشورة في القتال لينظر حالهم هل سينصرونه على المشركين؛ لأنهم كانوا قد عاهدوه عند بيعة العقبة عندما طلبوا منه الهجرة إلى المدينة على أن يجيروه ويحموه مما يحمون منه أنفسهم وأموالهم وأولادهم، ولا يسلموه إلى عدو أبداً وسيقاتلون معه، فبعد المشاورة قام رؤساء الأوس والخزرج سعد بن عبادة وسعد بن معاذ وقالوا له: لقد علمنا أنك رسول الله، فامض بنا إلى حيث أمرك الله سبحانه وتعالى، وأنك لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك ولقتلنا دونك، ولن نقول مقولة اليهود لنبيهم: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا
(١) سؤال: قد يقال: بأن الإبلاء يستخدم كثيراً في الامتحان بالشدة والتعب في الجهاد ونحوه كما نقول في غزوة مؤتة أُبْلِي المؤمنون فيها بلاءً حسناً، ومنه قوله تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ١١}[الأحزاب]، في غزوة الأحزاب، فكيف؟
الجواب: الإبلاء والابتلاء يستعمل في الإنعام والخير، وفي الامتحان بالشدائد، ومن ذلك قوله: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ١٥ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ١٦}[الفجر]، وقد فسر بالإنعام قوله تعالى لبني إسرائيل بعد تعديده لما أنعم الله عليهم: {وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ٦}[إبراهيم]، وقال سبحانه: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ١٦٨}[الأعراف]. والبلاء والإبلاء واحد بدليل: {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا} فوضع بلاءً موضع إبلاءً أي: أن بلاءً اسم للإبلاء.