سورة الأنفال
  أول الإسلام وهو أن الفرد الواحد من المسلمين يقابل عشرة من المشركين، وذلك لأن المسلمين في أول الإسلام كانوا قلة قليلة، فأمرهم الله سبحانه وتعالى بأن يثبتوا على القتال إذا كان الأمر كذلك، وألا يفروا، ثم بعد ذلك كثر المسلمون وصاروا أهل كثرة، فحينها خفف الله سبحانه وتعالى عنهم هذا التكليف بقوله: {الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ٦٦}(١) خفف الله سبحانه وتعالى على المسلمين عندما أصبحوا أهل كثرة من العشرة إلى الاثنين لكل واحد من المسلمين.
  ومعنى ذلك: أنه لا يجوز لهم أن يفروا أو يتراجعوا عن مواجهة المشركين في
(١) سؤال: في ذهني أن بعض أئمتنا أخذ من هذه الآية أنه لا يجب على أهل العدل قتال أهل البغي إلا إذا كانوا على النصف منهم في العدد والعدة، فهل توافقونه في هذا المأخذ؟ وهل يتعارض مع قول أهل المذهب بوجوبه متى ظنوا الغلبة؟ وما الراجح منهما؟
الجواب: الذي يظهر لي أنه لا تعارض بين الآية وبين قول أهل المذهب، فقد ذكر في الآية العلة الغائية في وجوب قتال المائة للمائتين وهي الغلبة للمشركين؛ لذلك فإن المؤمنين إذا كانوا أقل من النصف إلا أنهم من أهل البأس والشدة وأهل التجارب في الحرب، وأهل معرفة بالحيل والمراوغة والتمويه و ... إلخ، وحصل عند ذلك الظن بالتغلب على العدو وهزيمته وقتله، فإنه يجب حينئذ القتال، وذلك لأنهم وإن قل عددهم عن النصف إلا أنهم حينئذ بمنزلة النصف أو أكثر، وقد روي عن الإمام الهادي # أنه قال لجيشه: «نحن مائتان، فقالوا: لسنا إلا مائة، فقال: أنتم مائة، وأنا بمنزلة مائة»، وهكذا العكس فلو كان المسلمون مثل الكافرين أو مثل نصفهم في العدد والعدة إلا أنهم كانوا أو أكثرهم من أهل الإيمان الضعيف، لا يتوقع منهم الصبر الطويل، أو كانوا من أهل الترف الذين لا يصبرون على الحر والبرد والشمس والجوع، وطلوع الجبال، وحمل الأثقال، وقطع المسافات، والتنقل كما ينبغي، أو لا معرفة لهم بالحرب والقتال والمراوغة والتمويه والتحيل و ... إلخ، فإذا لم يحصل ظن الغلبة، أو حصل ظن الهلاك إن دخل هؤلاء المعركة مع العدو؛ فلا يجوز إدخالهم فيها {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: ١٩٥].