محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة يونس

صفحة 139 - الجزء 2

  {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ثم استولى على الملك، وجعله تحت سيطرته، وتحت قدرته وتدبير شؤونه.

  والملك هو السماوات والأرض وما بينهما، والعطف بثم هنا يدل على قدرته وتمكنه، وأن الاستيلاء وتولي إدارة ذلك أعظم من خلقه.

  ولا سرير هناك كما يقولون، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى قد ذكر ذلك في سياق التمدح والكبرياء، فلو كان معنى ذلك هو الجلوس على السرير كما يزعمون، فأي تمدح في ذلك؟ وأي فائدة في ذكره لو كان كذلك؟ بل ولكان ذلك نقيصة في حقه جل وعلا أن يجعل جلوسه من جملة ما يتمدح به.

  يثني الله سبحانه وتعالى على نفسه هنا، ويذكر صفاته التي يستحق بها الربوبية، فلم يبق مع ذلك إلا أن يكون معنى الاستواء هو ذلك الذي فيه غاية المدح والثناء له جل وعلا، وقد ورد ذلك في لسان العرب كثيراً، أي استعمال العرش بمعنى الملك، وأيضاً فقد فسره الكلام الذي ورد بعده فقال: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} مما يزيد ذلك وضوحاً ودلالة في أن المراد المعنى الذي ذكرنا وهو الاستيلاء⁣(⁣١).

  {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} فالله سبحانه وتعالى لجلاله وعظمته وملكه وسلطانه أخبر أنه لا يستطيع أحد أن يشفع عنده إلا لمن أذن له، فلا نبي مرسل ولا ملك مقرب، يتقدم بشفاعة عند الله إلا بعد أن يأذن الله تعالى له، وهذا مما يدل على عظمته وقوة ملكه وسلطانه وتمكنه.


(١) سؤال: يقال: إذا كان {اسْتَوَى} بمعنى «استولى» فإنه يفهم أن ثمة منازعاً فكيف يكون رد هذا الفهم؟

الجواب: يزول ذلك الفهم بمعرفة معنى «ثم» في هذا الموضع. وأيضاً فإنا لو فسرنا العرش بالبناء العظيم فإن الله تعالى متعال عن القعود عليه؛ لأن القعود من صفات الأجسام والله تعالى ليس بجسم، فلا يرتفع الفهم المذكور في السؤال.