سورة يونس
  {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا} يتكلم الله سبحانه وتعالى عن طبيعة المشركين(١)؛ فأخبرنا أنه إن أعطاهم الخير وأسبغ عليهم النعم بعد أن أصابهم بالشدائد والمصائب نسوا ذلك، وبمجرد أن يرفع الله سبحانه وتعالى عنهم ذلك يبدؤون بالتآمر على دينه، وعلى أنبيائه وآياته، ويتخذون شتى الوسائل لهدمه وإبادته، وأن هذا هو دأبهم دائماً، ولكن كيفما كان مكرهم فمكر الله سبحانه وتعالى فوق مكرهم وسيغلبهم.
  {إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ٢١} وهم الحفظة الكرام الكاتبون الموكلون بتسجيل(٢) أعمال ابن آدم، وسيجازيهم الله سبحانه وتعالى على ما قد سجلته الحفظة من أعمالهم صغيرها وكبيرها، فهذا هو المراد بمكر الله سبحانه وتعالى الذي سيمكره بهم.
(١) سؤال: من أين نستفيد تخصيصها بالمشركين ولفظ الناس عام؟
الجواب: السياق في المشركين، مع أن آخر الآية يدل على ذلك وهو: {قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا} فـ «قل» أمر من الله تعالى لرسوله محمد ÷ أن يقول للناس (المشركين) الذين يُدَبِّرُون الحيل والمكايد لإبطال رسالة الله وآياته: أن قوة الله فوق قوتكم لا تخفى عليه أعمالكم يعلم سرائركم وضمائركم، ورسله تحصي أعمالكم، وسيبطل مكركم وكيدكم و ... إلخ.
(٢) سؤال: وهل التسجيل عندكم حقيقة؟ وما الحكمة في ذلك؟
الجواب: الظاهر في تسجيل الحفظة لأعمال بني آدم أنه حقيقة، والمصلحة والحكمة فيه تعود إلى المكلفين من الناس، بأن المكلف إذا علم أن عنده رقيباً يحفظ أعماله ويحصيها ويكتبها صغيرها وكبيرها حتى الكلمة والنظرة ... احتاط لنفسه وتحرز عن الوقوع في المأثم وإن صغر، ويكون ما سجله الحفظة وثيقة شاهدة على أعمال المكلف إذا أنكر. أما كيفية التوثيق والتسجيل فقد تكون بتسجيل الصوت والصورة، ويدل على ذلك قوله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ٢٤}[النور]، {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥}[يس]، والله أعلم.