سورة يونس
  {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}(١) يذكر الله سبحانه وتعالى كفار قريش بأنه الذي منّ عليهم بنعمة التنقل على ظهر البر والبحر، وسخر لهم الإبل والخيل والحمير وما أشبهها في البر، وكذلك نعمة السير بالأرجل، بما جعل فيكم من الصحة والعافية والتمكين، وفي البحر سخر لكم السفن تجري بكم فيه.
  {حَتَّى إِذَا(٢) كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا(٣) بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} يسخر الله سبحانه وتعالى لعباده الريح الطيبة التي تسير بهبوبها السفن، فيرتاح لها ركاب السفن ويفرحون بها، ثم يأتي الله تعالى بريح شديدة تهيج بشدتها الأمواج، هنالك يظن المشركون لشدة ما يرون من الأهوال وأسباب الهلاك أنهم قد وقعوا في الهلكة.
  {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} ظنوا أنهم حينها قد أوشكوا على الهلاك والغرق فعند ذلك: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ففي هذه الحالة نسوا تلك الأصنام
(١) سؤال: قد تستدل المجبرة بهذه الآية على مذهبهم الشنيع فكيف الرد عليهم؟
الجواب: الله تعالى هو الذي يسير المسافرين في البحر بالسفن والماء والرياح، وفي البر بالخيل والبغال والحمير والجمال، فالسفن تسير بإرادة الله وقدرته ورحمته، والجمال والبغال والحمير تسير كذلك بإرادة الله وقدرته ورحمته، وهذه الآية كآية: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر ...}[الإسراء: ٧٠]، وقوله: {أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ٤١ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ٤٢}[يس]، وبهذا التفسير الواضح يرتفع الإشكال ويعرف الجواب.
(٢) سؤال: ما هو جواب «إذا» الشرطية من هذه الجمل؟
الجواب: جواب «إذا» هو: {جَاءَتْهَا رِيحٌ ...}.
(٣) سؤال: ما السر والنكتة في تغيير الضمائر من المخاطب إلى الغائب في «كنتم» و «بهم» و «فرحوا»؟
الجواب: انتقل من الخطاب إلى الغيبة لمقتهم وتقبيح ما هم عليه لغيرهم، وهذا بالإضافة إلى ما في الالتفات عموماً من تطرية ذهن السامع وتنشيطه وإيقاظه.