سورة يونس
  التي يعبدونها، ورجعوا إلى الله سبحانه وتعالى يستغيثون به وحده في إنقاذهم والكشف عنهم، وعرفوا أن معبوداتهم تلك لن تنفعهم شيئاً.
  وهذه التي جعلتهم كذلك هي الفطرة التي جعلها الله سبحانه وتعالى في عقل كل عاقل، وجعلها حجة واضحة عليهم في معرفته.
  {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} يدعونه وحده دون تلك الآلهة، {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ٢٢} لئن خلصتنا يا ربنا من هذه الكارثة والشدة لنكونن من الشاكرين والمخلصين في عبادتنا لك لا ندعو معك نداً ولا نعبد سواك.
  {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} فلما أنجاهم وأنقذهم من الهلاك والغرق - رجعوا إلى ما كانوا عليه من عبادة الأصنام والشرك(١)، ونسوا العهد الذي كانوا عاهدوا الله سبحانه وتعالى عليه وهم على ظهر البحر الهائج الذي تتلاطم بهم أمواجه الهادرة.
  وهذه التي قصها الله سبحانه وتعالى كانت هي حالة قريش؛ لأنهم كانوا أهل سفر وأهل تجارة، وكانوا يتعرضون لمثل هذه المهالك، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يذكرهم بتلك النعم التي أنعم بها عليهم؛ لعلهم يرجعون.
  {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أخبرهم الله سبحانه وتعالى بأن طغيانهم في الأرض وعبادتهم للأصنام لن يضر إلا أنفسهم، ووباله لن يكون إلا عليهم، وأنهم لم يبغوا إلا على أنفسهم، وأما هو فلن يضروه شيئاً، ولن يضروا دينه، وسيظهر دينه ولو كره الكافرون، وعلى رغم أنوفهم.
  وطغيانهم هذا ليس إلا ذنوباً اكتسبوها، وسيجازيهم عليها في الدنيا بالخزي والذل
(١) سؤال: هل يصح أن تعمم الآية على كل من نسي الله سبحانه وعصاه بعد أن لطف به وخارجه من المآزق؟
الجواب: الآية خاصة بالمخاطبين من المشركين في الظاهر، ولكن يلحق بهم من عمل مثل عملهم.