سورة يونس
  جعل فيه هداهم، وجعل فيه النور الذي يضئ لهم طريق الحق وينورها، وجعله رحمة لهم، وفيه سعادتهم في الدنيا والآخرة.
  {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ٥٨}(١) كان النبي ÷ ومن آمن معه في أول الإسلام في فقر وفاقة وشدة بينما كان المشركون أهل أموال وتجارات وأهل وجاهة ورئاسة وترف وسعة، فأمر الله سبحانه وتعالى نبيه ÷ بأن يخبر المؤمنين بأن يفرحوا بالهدى والنور الذي في قلوبهم، والقرآن الذي تعلموه وعرفوه عن نبيهم ÷، وبدينهم؛ فإن ذلك خير من تلك الأموال والتجارات التي جمعها أهل الدنيا، وألا يحتقروا أنفسهم، وما هم فيه من الفقر والشدة؛ فإن ما معهم من الهدى خير لهم مما مع أولئك المشركين من الأموال.
  {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} أمر الله سبحانه وتعالى نبيه ÷ بأن يسأل المشركين: أخبروني(٢)
(١) سؤال: يقال: هل يعارض جواز الفرح بهذه الآية ما دلت عليه الآيات الأخرى من ذم الفرح نحو: {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ٧٦}[القصص]، وقوله: {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ١٠}[هود]؟
الجواب: لا تعارض بين هذه الآية وبين ما ذكر: {لَا تَفْرَحْ ...} لأن الفرح المذموم هو الفرح الذي ينسى معه شكر الله ويصحبه العجب بما حصل من النعمة أي: أنها حصلت بذكاء صاحبها وحسن تدبيره وسياسته كما قال قارون: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}[القصص: ٧٨]. أما الفرح الذي هو انشراح الصدر والسرور بما حصل من نعم الله مع الاعتراف والإيمان أنها حصلت بفضل الله ورحمته، مع الشكر لله والحمد له على ذلك فهو حسن غير مذموم، والله ﷻ يحب أن تظهر نعمه على أوليائه: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ٤ بِنَصْرِ اللَّهِ ..}[الروم].
(٢) سؤال: إذا كان معنى: {أَرَأَيْتُمْ} في هذه الآية ونحوها: أخبروني كما هو قول جماهير المفسرين فهل خرجت عن معناها الحقيقي أم لا؟
الجواب: يحتمل ذلك أمرين:
١ - أن يكون هذا من باب المجاز المرسل أي أنه استعملت الرؤية بمعنى الخبر؛ لأنها سببه، =