سورة يونس
  ذكّرهم الله سبحانه وتعالى بتفضله على الذين يفترون عليه الكذب ويستهزئون بدينه وبنبيه ÷، ويعبدون آلهة غيره ليعلموا أنه لم يعجل لهم العذاب، مع أنه كان من المفترض أن يعذبهم، ومع كل هذا رفضوا أن يشكروا الله سبحانه وتعالى على ما تفضل به عليهم وأعطاهم.
  {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}(١) أخبر الله سبحانه وتعالى هنا أنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه مطلع على كل شؤون البشر وأعمالهم، وما من شأن ولا أمر مهم يكونون فيه إلا وهو حاضر معهم بعلمه لا يغيب عليه شيء من أعمالهم وأفعالهم.
  {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} لا يغيب عن علمه شيء لا صغير ولا كبير لا في السماء ولا في الأرض، يخبرهم الله سبحانه وتعالى عن سعة علمه وإحاطته بكل شيء، وأنه سيحاسبهم على كل صغيرة وكبيرة.
  {وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ٦١} يعني أن كل ما هو أصغر من مثقال الذرة أو أكبر فإنه محفوظ في علمه، ولا كتاب على الحقيقة، وإنما يصور لنا ذلك بالمعلوم الذي نشاهده ونفهمه، وهو التسجيل في الدفاتر كالذي يكون من تسجيل الديون ونحوها حفاظاً عليها من الضياع والنسيان.
  وأما الله سبحانه وتعالى فهو غير محتاج إلى ذلك؛ لأنه عالم لا يغيب عن علمه شيء(٢).
(١) سؤال: هل الخطاب للنبي ÷ أم أنه لكل مخاطب عموماً؟ وما معنى: {تُفِيضُونَ فِيهِ}؟ وما فائدة دخول لفظة «منه» في قوله: {تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ}؟
الجواب: الخطاب للنبي ÷ وتلحق به أمته أي كل واحد منهم، وتفيضون فيه: أي تخوضون فيه وتندفعون إليه. وفائدة دخول لفظة «منه» بيان التبعيض؛ لأن الضمير في «منه» عائد إلى شأن، والتلاوة هي بعض شأنه ÷.
(٢) سؤال: يقال: قد يكون في الكتب حكمة ولو لم يكن إلا اللطف في انزجار المكلفين إذا علموا أن الملائكة يحصون عليهم ويكتبون كل صغير وكبير من أعمالهم، وهذا مع ما في =