محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة يونس

صفحة 176 - الجزء 2

  يبشر أولياءه وهم على الدنيا، تبشرهم الملائكة وهم على فراش الموت فيؤمّنونهم من عذاب الله سبحانه وتعالى وسخطه، وقد قيل إن هذه هي أسعد لحظة تمر على المؤمن في حياته حتى أنه من شدة الفرح والسرور ينسى أهله وأولاده، ولا يهمه فراقهم، فهذه هي البشرى التي في الدنيا، ولا يصح أن تكون قبل ذلك؛ لأن حكمة الله سبحانه وتعالى اقتضت أن يبقى المرء في حالة خوف وحذر من عذاب الله سبحانه وتعالى والبشرى بالجنة ينافي ذلك، وأما عند الموت فإن التكليف يكون قد ارتفع، والبشرى التي تكون في الآخرة فعندما يبعثهم الله سبحانه وتعالى فإن الملائكة تتلقاهم وتبشرهم بالخير والأمن والأمان والفوز.

  أما الرؤيا الصالحة وإن سميت بشرى فليست مقصودة في هذه الآية بدليل قوله في آخرها {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ٦٤}، وهكذا الكرامات فهي وإن كانت بشرى إلا أنها ليست مقصودة أيضاً في هذه الآية فإن صاحب الكرامة لا يأمن أن تكون فتنة واختباراً والأعمال بخواتمها لما ذكرنا من قوله في آخر الآية: {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ٦٤}.

  {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ}⁣(⁣١) فهذا وعد من الله سبحانه وتعالى ولن يخلفه أو يبدله، ولا بد أن يقع ويوفي بوعده، ووعده هذا هو أنه لا يلحق أولياءه يوم القيامة


(١) سؤال: هل لتسميتها «كلمات» بالجمع فائدة؟

الجواب: نعم للجمع فائدة، وذلك ليفيد أن وعد الله لأوليائه المؤمنين متعدد ومتنوع، وقد نطق القرآن الكريم بذلك، منها هذه الآية وقوله: {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ٦٢}⁣[يونس]، والسلامة من النار ودخول الجنة والخلود فيها والأزواج المطهرة، {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ٢٣ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ٢٤}⁣[الرعد]، {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ١٥ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ١٦ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ ١٧ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ١٨ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ ١٩ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ٢٠ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ٢١ وَحُورٌ عِينٌ ٢٢ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ٢٣ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ٢٤ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ٢٥ إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ٢٦}⁣[الواقعة]، فهذا ليس وعداً واحداً، ولكن كلمات كثيرة.