محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة يوسف

صفحة 265 - الجزء 2

  عندها تكلمت امرأة العزيز رافعة لرأسها مخاطبة لهؤلاء النسوة بأن هذا الذي قطعتن أيديكن لرؤيته هو ذلك الذي راودته عن نفسه، وقد امتنع ورفض أن يجيبني لما طلبته منه.

  {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ ٣٢} وأخبرتهن بأنها سوف تحاول فيه حتى يطاوعها على ما طلبت منه، وستعمل الحيل لذلك وستهدده على ذلك بالسجن إن رفض، وستلحق به الهوان والذلة إن لم يجبها إلى ما تريد.

  {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ٣٣} عندما علم بما همت النسوة بفعله دعا الله سبحانه وتعالى أن يصرف عنه كيدهن ومكرهن، وأن يعينه على الامتناع منهن، واختار السجن على أن يجيبهن إلى ما يردن، ومعنى «أصب إليهن»: أصل إليهن.

  {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ٣٤} وقد حاولت النسوة فيه دون جدوى، وأصابهن اليأس والإحباط من موافقته على إشباع رغباتهن⁣(⁣١).

  {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ٣٥}⁣(⁣٢) ثم ترجح


(١) سؤال: هل أظهرت هؤلاء النسوة بأجمعهن أنهن يردن منه الفاحشة مع حضور بعضهن البعض؟

الجواب: الظاهر من السياق أن النسوة عذرن امرأة العزيز لهول ما رأين من الجمال الخارق ووافقنها على ما أرادت من يوسف وتظاهرن معها على حمله على موافقتها، هذا هو الذي يظهر دون أن يردن منه الفاحشة معهن، والله أعلم.

(٢) سؤال: أين فاعل: {بَدَا}؟ وكيف ساغ للعزيز حبسه مع براءته؟ ولماذا أخر حبسه إلى مدة من الحادثة؟

الجواب: قد قيل: إن الفاعل البداء، أي: بدا لهم البداء، وقيل: الجملة أي ليسجننه، ويمكن أن يقدر أن يسجنوه أي: بدا لهم أن يسجنوه، فحذف لدلالة الكلام عليه. ويظهر أن العزيز كان مطواعاً لزوجته، مسخراً لتنفيذ رغباتها، فلم يكن له رأي مع رأيها، فما قررته نفذه من غير مراجعة، ولم يؤخر سجن يوسف إلا لرجاء زوجة العزيز أن يكون مجلس النساء قد أثر فيه، وفَتَّ من عزيمته، فلما لم تَرَ أَيَّ تأثير أمرت بسجنه.