[حكم إحداث إجماع بعد الإجماع]
  وإنما اختلفوا في أنه هل يصح إجماع أهل العصر الثاني على خلاف ما أجمع عليه أهل العصر الأول ولم ينصوا على منعه؟
  فقال أبو الحسين أحمد بن موسى الطبري(١) ¦ من أصحاب الهادي #، وأبو عبدالله البصري شيخ أبي طالب #: إنه يصح، ويكون الثاني ناسخًا للأول(٢).
  ومختار أئمتنا $ وجمهور غيرهم: (أنه لا يصح) ولا يقع (إجماع بعد الإجماع على خلافه) بحيث لا يمكن الجمع بينهما؛ إذ الدليل لم يفصل بين أن يكونوا أجمعوا على أن لا إجماع بعد إجماعهم وبين غيره، ولأن خلافهم إذا كان ذنباً مهجوراً وحجراً محجوراً فكيف يصير حجة من حجج الله تعالى؟! وهذا مما لا خلاف في فساده، ولأن النسخ إنما يكون لتغير المصلحة، وذلك مما استأثر الله بعلمه، ولا هداية للخلق إلى معرفته.
  ولأنه لا يخلو الإجماعان: إما أن يكونا باطلين، أو أحدهما، أو صحيحين.
  ليس الأول ولا الثاني؛ لأن الأمة لا تجمع على باطل، ولا الثالث؛ لاقتضائه ثبوت الحكم وضده(٣)، أو ثبوته ونفيه، وهو محال، أو يكون آخرهما ناسخاً للأول، وذلك باطل بما سبق وسيأتي إن شاء الله تعالى.
  ولهما أن يجيبا عن الأول: بأن الدلالة إنما قضت بتحريم مخالفة الإجماع، وهذا إجماع حكمه حكم الأول.
  وعن الثاني: بأنه إنما كان ذنباً إذا كان خلافاً للأمة لا لبعضها، فالذنب خلاف قولها لا قولها.
(١) قال في مطلع البدور: علامة الشيعة الفقيه الرباني الراجح أبو الحسين أحمد بن موسى الطبري |، حافظ السنن الماضي على أقوم سنن، شيخ الإسلام ¥، كان له من العناية بإحياء الملة بعد موت ابني الهادي إلى الحق $ أضعاف ما كان في حياتهم وكان أحمد بن موسى من الطبريين القادمين إلى اليمن.
(٢) بناء على أصلهما في جواز نسخ الإجماع والنسخ به.
(٣) وجوب وندب.