شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[حكم إحداث إجماع بعد الإجماع]

صفحة 144 - الجزء 1

  والحق أنه أعم مطلقاً؛ لاجتماعهما في ما له أصل يرد إليه، ووجوده بدون القياس فيما لا أصل له يرد إليه، كأروش الجنايات. فحيث كان مذهب المصنف الأول كان ذكره الاجتهاد بعد القياس عطفاً تفسيرياً، وإن كان الثاني فظاهر لتباينهما، وإن كان الثالث كان من عطف العام على الخاص، فكان الأنسب⁣(⁣١) العطف بالواو؛ إذ هي المختصة بجواز عطف المرادف والعام على الخاص، كما هو مقرر في موضعه.

  وإنما صح كون مستنده الاجتهاد: أما على القول بأنه هو القياس فلما تقدم في القياس، وأما على غيره فلأن الأحكام الحاصلة باجتهاد كلها حاصلة عن طرق الشرع الجملية: من الكتاب العزيز، وسنة الرسول ÷ قولاً أو فعلاً أو تركاً أو تقريراً، والإجماعين⁣(⁣٢) كذلك، وليس الاجتهاد إلا في تفاصيل ما جاءت به الطرق؛ ألا ترى أنا إذا اجتهدنا في أرش الجناية فإن لنا في ذلك أصلاً، وهو الإجماع أنه لا بد في ذلك من غرامة، لكن الإجماع لم يعين قدر تلك الغرامة، فيتوصل إلى معرفتها بالاجتهاد؛ بأن ينظر إلى ما يلحق المجني عليه من الألم، وما يشغله عن الحرفة إن كان ذا حرفة، أو يُقَرَّبَ ذلك إلى ما ورد النص بأن له أرشاً، ونحو ذلك، والله أعلم.

[حكم إحداث إجماع بعد الإجماع]

  (و) اعلم أن أهل العصر الأول إذا أجمعوا على حكم من الأحكام فلا شبهة عند القائلين بأن الإجماع حجة في جواز إجماع من بعدهم من أهل الأعصار على قولهم، وفي أنه لا يجوز لبعض الأمة بعدهم الخلاف لهم، وفي أنهم إذا أجمعوا على أنه لا يجوز لمن بعدهم الإجماع على خلاف قولهم أنه لا يجوز لهم ذلك.


(١) إنما قلت: الأنسب ولم أقل: المناسب لصلاحية ذلك أجمع، وعدم صلاحية أَوْ على تقديرين دون الثالث، تأمل. منه وصلى الله على محمد وآله وسلم والحمد لله.

(٢) أي: العام والخاص. وقوله: «كذلك» أي: قولا أو فعلا أو تركا أو تقريرا.