[حكم إجماع أهل المدينة]
  والصحيح أنه (لا) ينعقد (بأهل المدينة وحدهم)، وقضاءٌ العادة المذكورة ممنوعٌ؛ لجواز أن يكون متمسك غيرهم أرجح، فرب راجح لم يطلع عليه البعض، وإن سلم لزم في كل جمع كجمع المدينة - إذ لا أثر للأطلال(١) - ومالك لا يقول به، وإن قال به غيره، كما حكى أبو إسحاق في اللمع عن بعضٍ القول بأن إجماعَ أهل الحرمين: مكة والمدينة، والمصرين: البصرة والكوفة - حجةٌ على غيرهم. وقيل: إجماع الكوفة وحدها، كما نقل عن حكاية ابن حزم.
  ويلزم أيضاً أن لا يعتد بخلاف علي # وأكابر علماء الصحابة الذين كانوا خارجين عنها، كمن كان منهم بالكوفة معه #، وفي البصرة والشام، وفي المدائن(٢) وغيرها، وبطلانه معلوم.
  وما ذكره من الأحاديث غير مفيد للمطلوب؛ لأنه إنما يدل على فضلها؛ لما علم من وجود الباطل فيها، كالفسوق والمعاصي، ولا دلالة على انتفاء الخطأ عما اتفق عليه أهلها بخصوصه(٣)، وإلا لزم في غيرها من سائر البقاع التي رويت في فضلها أخبار كالمدينة، مثل قوله ÷ في مكة: «ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك». أخرجه الترمذي، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، عن ابن عباس.
  وقوله ÷: «إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت». أخرجه أحمد في مسنده، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه عن عبد الله بن عدي بن الحمراء.
  وقوله ÷: «الشام صفوة الله من بلاده، إليها يجتبي صفوته من عباده، من خرج من الشام إلى غيرها فبسخطة، ومن دخلها من غيرها فبرحمة». أخرجه الطبراني والحاكم عن أبي أمامة.
(١) أي: المواضع.
(٢) المدائن: مدينة قرب بغداد كان فيها إيوان كسرى، وسميت بالجمع لكبرها، والنسبة إليها مدائني.
(٣) الضمير لانتفاء الخطأ.