[حكم إجماع أهل المدينة]
[حكم إجماع أهل المدينة]
  (و) اختلفوا فيما اتفق عليه أهل المدينة، فنقل عن مالك أنه كان يرى أن اتفاقهم حجة، ولما كانت هذه المقالة ضعيفة اعتذر عنه بَعْضُ أصحابه بأنه محمول على أن روايتهم مقدمة على رواية غيرهم؛ لكونهم أقرب إلى رسول الله ÷، وأولى بالحفظ، وأعرف من غيرهم بمواقع الأخبار وتواريخها.
  وآخَرُوْنَ بأنه حجة في المنقولات المستمرة، كالأذان والإقامة والصاع والمُدِّ، دون غيرها، حتى إنهم لو أجمعوا على أن الإقامة فرادى وجب على الكل اتباعهم.
  وقال ابن الحاجب ومن وافقه: إنه على ظاهره، وإنه حجة في جميع الأحكام؛ لقضاء العادة بأن اتفاق مثلهم من العلماء المجتمعين(١) الأحقين بالاجتهاد(٢) لا يكون إلا عن دليل راجح على غيره يقتضي أن يكون إجماعهم حجة ظنية، ولقوله ÷: «إنما المدينة كالكير: تنفي خَبَثَها، وتنصَع(٣) طيْبَها». أخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد، والترمذي، عن جابر بن عبد الله.
  وقوله ÷: «المدينة قبة الإسلام، ودار الإيمان، وأرض الهجرة، ومبوأ(٤) الحلال والحرام». أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة.
  قال في النهاية: تنقي بالقاف، والمشهور بالفاء، فإن كانت القاف مخففة فهو من إخراج المخ(٥)، أي: تستخرج خبثها، وإن كانت مشددة فهو من التنقية وهو إخراج(٦) الجيد من الحديد من الرديء.
(١) قوله: «المجتمعين» يعني في المدينة وقلة غيبتهم عنها، فيحصل تشاورهم وتناظرهم، فإذا اتفقوا فيبعد عدم إطلاع أحدهم على دليل المخالف مع رجحانه. سيلان.
(٢) احتراز من مجتمعين في موضع آخر لا يكون مهبطا للوحي، فأهله غير واقفين على وجوه الأدلة من قوله ÷ وفعله، وفعل الصحابة في زمانه ووجوه الترجيح. سيلان.
(٣) أي: تخلصه. نهاية.
(٤) أي: منزل.
(٥) قال في القاموس: نقا ينقو العظم نقوًا أي: استخرج نَقْيَهُ أي: مخه، أي: مخ العظم.
(٦) في النهاية: إفراد.