شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الدليل الثالث الإجماع]

صفحة 159 - الجزء 1

  [قلت: ومقتضى ذلك أن التمسكَ⁣(⁣١) بأقل ما قيل إذا لم يوجد دليل على ما عداه أخذٌ بالإجماع]⁣(⁣٢). والله أعلم.

  (وكذلك) - أي: كإحداث قول ثالث لم يرفع الأولين - يجوز لهم أو لبعضهم أو لغيرهم (إحداث دليل وتعليل وتأويل ثالث) أو رابع أو أكثر، لم ينصوا على عدمه، ولم يرفع مقتضى أقوالهم؛ إذ لم تزل العلماء يستخرجون الأدلة والعلل والتأويلات المغايرة لأدلة من تقدمهم وعللهم وتأويلاتهم، من غير نكير من أحد، بل يمدحون به، ويُعَدُّ لهم فضلاً، فكان إجماعاً على جوازه.

  أما لو غَيَّر مقتضى قولهم من الحكم فلا، كالقول الثالث الرافع للقولين. ومثاله: لو علل بعضهم تحريم بيع البر بالبر متفاضلاً بالكيل، وآخر بالطُّعم، فجاء من بعدهم علله بالاقتيات، فإنه لا يجوز؛ لرفعه القولين الأولين المتضمنين للإجماع على تحريم بيع الملح بمثله كذلك، وتجويز علته ذلك⁣(⁣٣).

  واعلم أن الإجماع ينعقد: إما بالقول، أو الفعل، أو الترك، أو السكوت مع الرضا، أو ما أمكن تركيبه منها.

  وأنه ممكن؛ لوقوعه. وكذا العلم به، ونقله إلينا.

  وقَوْلُ النظام وبعض الرافضة بامتناعه؛ لانتشار أهله في مشارق الأرض ومغاربها، فيمتنع نقل الحكم إليهم عادة، وإذا امتنع الأصل امتنع الفرع؛ لأن الموقوف على المحال محال - ممنوعٌ⁣(⁣٤)؛ إذ الانتشار إنما يمنع النقلَ عادة فيمن قعد في قعر بيته لا يبحث ولا يطلب، وليسوا كذلك؛ لجِّدِهم في الطلب، وقوة بحثهم عن الأدلة والأحكام. وأيضاً لا نسلم أن الاتفاقَ في نفس الأمر فرعٌ لتساويهم في


= كله للأخ.

(١) أئمتنا والجمهور: إن التمسك بأقل ما قيل ليس أخذاً بالإجماع، كما ذكره صاحب الفصول.

(٢) ما بين المعكوفين مخدوش في نسخة المؤلف.

(٣) أي: بيع الملح بمثله متفاضلا.

(٤) خبر «قول».