شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الدليل الثالث الإجماع]

صفحة 165 - الجزء 1

  والبخاري ومسلم عن المغيرة أنه ÷ قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله تعالى وهم ظاهرون». والنسائي عن حذيفة عنه ÷ أنه قال: «من فارق الجماعة شبراً فارق الإسلام». والنسائي وابن حبان في صحيحه عنه ÷: «سيكون بعدي هَنَات⁣(⁣١) وهنات، فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يريد أن يفرق أمر أمة محمد ÷ كائناً من كان فاقتلوه، فإن يد الله على الجماعة، وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض». وغير ذلك مما بلغ في الكثرة مبلغاً عظيماً تركته اختصاراً، ومن أراد الاطلاع على ذلك فعليه بالمطولات. (ففيه) أي: ما ذكر من الأحاديث وغيره (تواتر معنوي) أي: معناه متواتر وإن اختلف اللفظ، فهو يفيد القطع، كما في شجاعة علي # وجود حاتم.

  وأما قوله: (ولإجماعهم) على القطع (على تخطئة من خالف الإجماع، و) ذلك يدل على أنه حجة؛ إذ (مثلهم) كثرة وفضلاً وعلماً (لا يجمع) على القطع (على تخطئة أحد في أمر شرعي) وهو المخالفة هنا (إلا عن دليل قاطع) لا لمجرد تواطؤ وظن، فوجب الحكم بوجود نص قاطع بلغهم في ذلك، فيكون مقتضاه - وهو خطأ المخالف - حقًّا، وهو يقتضي حقية ما عليه الإجماع، وهو المطلوب - فلا يقال⁣(⁣٢): هذا إثبات له بنفسه⁣(⁣٣)، ولا للأخص - وهو التفسيق - بالأعم - وهو التخطئة - مع أنه لا يستلزمه، فليتأمل.

  واعلم أن على أدلة الإجماع اعتراضات وجوابات غير ما ذكرنا لا تليق بالمقصود من الاختصار، فالحق أن إجماع الأمة إنما كان حجة لتضمنه إجماع العترة، كما ذكر الإمام شرف الدين #، فإن أدلة إجماع الأمة - مع ذلك - إنما


(١) أي: شرور وفساد، ويقال: في فلان هنات، أي: خصال شر، ولا يقال في الخير. نهاية.

(٢) جواب: «أما».

(٣) لأن المدعى كون الإجماع حجة، والذي يثبت به ذلك وجود نص قاطع دل عليه وجود صورة من الإجماع ممتنع عادة وجودها بدون ذلك النص سواء قلنا: الإجماع حجة أو لا. وثبوت هذه الصورة من الإجماع ودلالتها العادية على النص لا تتوقف على كون الإجماع حجة.