شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[مقدمة المؤلف]

صفحة 18 - الجزء 1

  فإن قيل: أداء حق الشكر يحصل بمجرد الحمد ولو في آخر الكتاب.

  أجيب: بأن الغرض الأصلي من الافتتاح بالحمد ربط الحاضر - الذي هو سوابغ النعماء - وجلب المزيد المشار إليه بقوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}⁣[إبراهيم ٧]، ومنه التأليف؛ فتقديم الحمد على المجلوب - الذي هو التأليف - أولى.

  فإن قيل: قوله: «الحمد لله» إخبار بثبوت الحمد لله، والإخبار عن ثبوت الشيء ليس إياه.

  أجيب: بأن الإخبار بثبوت جميع المحامد لله تعالى عين الحمد، كما أن قول القائل: «الله واحد» عين التوحيد، وبأن مثل هذا القول المذكور إخبار واقع موقع الإنشاء؛ إذ الظاهر أن المتكلم به ليس بصدد الإخبار والإعلام؛ لأن المخاطب به هو الله تعالى، ففيه وضع الظاهر موضع المضمر⁣(⁣١).

  ومعنى الحمد لله: الحمد لك يا رب، فقصد المتلفظ به إنشاءُ تعظيم الله بوصفه بالجميل، وإيجادُه بهذا اللفظ.

  والسوابغ: جمع السابغة، والسبوغ: الشمول، والسابغ: الكامل الوافي، ومنه: إسباغ الوضوء، والسوابغ: الدروع الواقية. والنعماء: ما قصد به الإحسان والنفع⁣(⁣٢)، جمع نعمة⁣(⁣٣)، وهي: أصول وفروع، فالأصول⁣(⁣٤): خلق الحي، وخلق شهوته، وإكمال عقله، وتمكينه من المشتهى أو ما في حكمه، وهو الأعواض، كذا


(١) الظاهر هو لفظ الجلالة في قوله: الحمد لله، والمضمر: الكاف في قوله: الحمد لك؛ لأنه في مقام الخطاب.

(٢) في بعض النسخ بدل قوله: «والنفع»: «والنعماء»، والصواب لفظة: «النفع».

(٣) كذا في القاموس.

(٤) وسميت أصولاً لأن الانتفاع لا يحصل إلا بمجموعها، ومع اختلال واحد منها لا يتهيأ الانتفاع، وأما كمال العقل - وإن كانت اللذة الدنيوية تتهيأ بدونه - فهو لنعمة الآخرة التي هي الثواب؛ إذ لا يوصل إلى ذلك إلا بكمال العقل، وأما ما عداه فهو أصل لنعمة الدنيا، ذكره المتكلمون. منه.