[التاسع عشر: اختلاف الضابط في الأصل والفرع]
  الضابط في الأصل إغراء الحيوان، وفي الفرع الشهادة، فيجيب: بأن إفضاء التسبب بالشهادة إلى القتل أقوى من إفضاء التسبب بالإغراء؛ فإن انبعاثَ أولياء المقتول على قتل من شهدوا عليه بأنه قتله - طلباً للتشفي وثلج الصدر بالانتقام - أغلب من انبعاث الحيوان على قتل من يُغرى هو عليه، وذلك بسبب نفرته عن الآدمي وعدم علمه بالإغراء؛ فإذا اقتضى الإغراء أن يُقتص من المغري فأولى أن تقتضي هذه الشهادة الاقتصاص من الشهود؛ لذلك.
  ولا يضر(١) اختلاف أصْلَي السبب(٢)، وهو كونه شهادة أو إغراء، فإن حاصله قياس التسبيب(٣) بالشهادة على التسبيب بالإغراء، والأصل لا بد من مخالفته للفرع.
  (ونحو ذلك) - الواو بمعنى أو - مما يجاب به سؤال اختلاف الضابط، بأن يقال في المثال المذكور: التفاوت(٤) ملغى في القصاص لمصلحة حفظ النفس؛ بدليل أنه لا يفرق بين الموت بقطع الأنملة وبينه بضرب الرقبة، فيجب بهما القصاص وإن كان أحدهما أشد إفضاء إلى الموت.
  وقال ابن الحاجب وغيره: إنه لا يجاب هذا السؤال بإلغاء التفاوت؛ لأنه لا يلزم من إلغاء فارق(٥) معين إلغاء كل فارق، فقد ألغي علم القاتل(٦) وذكوريته وصحته وعقله، لا إسلامه وحريته؛ فيقتل العالم والذكر والصحيح والعاقل بمن لم يكن كذلك، ولم يقتل الحر بالعبد، والمسلم بالكافر.
(١) أي: إذا تبين أن الإفضاء أرجح.
(٢) في شرح الغاية وغيره: «أصلي التسبيب. قال سيلان: أي: ما قيد به التسبيب وهو كونه شهادة وكونه إغراء.
(٣) «التسبب». نخ.
(٤) أي: التفاوت في التسبيب بكونه شهادة أو إكراهاً.
(٥) كالشدة والضعف في قطع الأنملة وضرب الرقبة.
(٦) فيقتل العالم بالجاهل.