شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[المجاز]

صفحة 54 - الجزء 2

  لأن اليتيم من بني آدم هو الطفل الذي لا أب له، يقال: يَتِم الصبي - بالكسر - يَتْماً ويُتْماً - بالفتح والضم مع التسكين فيهما - فَيُتْمه من قبل أبيه، وفي البهائم من قبل الأم.

  وكونُ الحقيقي آيلاً إليه المجازي قطعاً، كقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ}⁣[الزمر: ٣٠]، أو ظناً نحو: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}⁣[يوسف: ٣٦]، أي: عصيراً يؤول إلى الخمر.

  [والبدليةُ أي: كون أحد المعنيين بدلاً عن الآخر، كقولهم: أكل فلان الدم]⁣(⁣١).

  وسببية المعنى الحقيقي للمعنى المجازي، نحو: رعينا الغيث.

  وعكسه، أي: كون الحقيقي مُسبَّباً عن المجازي في نحو: أمطرت السماء نباتاً، وقول الشاعر:

  شربت الإثم حتى ضل عقلي ... كذاك الإثم يَذهب بالعقول

  جعل الخمر إثماً لكونه مسبِّباً لها، ومنه تسمية العطية مناً؛ لكونها سببه⁣(⁣٢).

  فأمَّا⁣(⁣٣) قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}⁣[الشورى: ١١]، فالكاف فيه مستعملة في معناها، والمشهور في توجيهه أن الكلام وارد على طريق الكناية، فإن انتفاء مثل المثل


(١) (نخ).

(٢) وقد عد منها إطلاق المعرَّف وإرادة المنكر، كقوله تعالى: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ}⁣[المائدة: ٢٣]، أي: باباً من أبوابها. وفيه أنه من باب إطلاق المقيد على المطلق، وليس قسماً على حدة.

(٣) جواب سؤال وهو أن يقال: قد عد من أقسام المجاز الزيادة فلم لا تعدها؟ فأجاب بقوله: أما ... إلخ، ونحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}⁣[يوسف: ٨٢]، يحتمل أن يكون من باب إطلاق الظرف على المظروف، ويحتمل أن يكون من مجاز النقصان وهو أن ينتظم الكلام بزيادة كلمة فيعلم نقصانها كالآية؛ فإن القرية الأبنية المجتمعة، وليس هذا مجازاً في الأفراد؛ إذ هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، والمحذوف لم يستعمل البتة، بل الحاصل هو إسناد السؤال إلى القرية، وهو شأن الإسناد المجازي. ويظهر أن الزيادة كذلك، ومقتضى كلام المحصول أن هذين القسمين من مجاز الإفراد ذكره الأسنوي. قلت: والأولى في مثل ذلك أنه إن أريد بالقرية مثلاً أهلها واستعمال نفي مثل المثل في نفي المثل كان مجازاً مرسلاً داخلاً في حده، وإلا كان الأول من مجاز الإسناد، والثاني من مجاز الزيادة، والله أعلم. اهـ