شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[مجاز الإسناد]

صفحة 57 - الجزء 2

  الوليد بن يزيد لما بويع إلى مروان⁣(⁣١) بن محمد وقد بلغه أنه متوقف عن بيعته: أما بعد، فإني أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيتهما شئت. شبه صورة تردده في المبايعة بصورة من قام ليذهب في أمر فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلاً، وتارة لا يريده فيؤخرها، فاستعمل الكلام الدال على هذه الصورة في تلك الصورة.

  وَوَجْهُ الشبه - وهو الإقدام تارة والإحجام أخرى - مُنتزعٌ من عدة أمور كما ترى.

  وهذا المجاز المركب يسمى التمثيل على سبيل الاستعارة؛ لأنه قد ذكر المشبه به وأريد المشبه، وترك ذكر المشبه بالكلية كما هو طريق الاستعارة، وقد يسمى التمثيل مطلقاً من غير تقييد بقولنا: على سبيل الاستعارة.

[مجاز الإسناد]

  (و) من أقسام المجاز: أنه (قد يقع(⁣٢) في الإسناد) للفعل أو معناه إلى ملابَس له غير ما يكون ذلك الفعل أو معناه له - أي: غير الفاعل في المبني للفاعل، وغير المفعول في المبني للمفعول - مع قرينة صارفة للإسناد عن أن يكون لما هو له، كقوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ٢}⁣[الزلزلة]، نسب الإخراج إلى مكانه وهو فعل الله، وقوله تعالى: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ}⁣[القصص]، نسب التذبيح الذي هو فعل الجيش إلى فرعون - لعنه الله تعالى - لأنه سبب آمر.

  وقوله تعالى: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ٢١}⁣[الحاقة]، في المبني للفاعل المسند إلى المفعول به؛ إذ العيشة مرضية.

  وسيل مفعم في عكسه⁣(⁣٣)؛ إذ المفعم اسم مفعول من أفعمت الإناء ملأته


(١) متعلق بكتب.

(٢) أي: المجاز العقلي على سبيل الاستخدام؛ إذ قد أطلق المجاز أولاً مراداً به اللغوي، وثانياً مراداً بضميره العقلي.

(٣) أي: فيما بني للمفعول وأسند إلى الفاعل؛ لأن السيل هو الذي يفعم أي: يملأ.