شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[مجاز الإسناد]

صفحة 58 - الجزء 2

  وقد أُسند إلى الفاعل.

  وقول المؤمن: أنبت الربيع البقل فيما أسند إلى ملابس له هو الزمن.

  وإسناده إلى المصدر (مثل: جَد جدُّه(⁣١)) ومنه قول الشاعر:

  سيذكرني قومي إذا جَد جدُّهم ... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

  وذلك أن من شأن العرب على ما ذكره المرزوقي أن يشتقوا من لفظ الشيء الذي يريدون المبالغة في وصفه ما يتبعونه به؛ تأكيداً وتنبيهاً على تناهيه، من ذلك قولهم: ظِلٌّ ظليلٌ، وداهيةٌ دهياء، وشِعرٌ شاعرٌ،.

  والمراد من الإسناد أعم من أن يدل عليه الكلام بصريحه كالأمثلة، أو يكون مستلزماً له كما في الإيقاعيات والإضافات⁣(⁣٢)، كقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}⁣[النساء: ٣٥]، {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}⁣[سبأ: ٣٣]، {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ١٥١}⁣[الشعراء].

  فإنه جعل فيها البَيْن مشاقاً، والليل والنهار ماكرين، والأمر مطاعاً، وكذا فيما جعل الفاعل المجازي تمييزاً، كقوله تعالى: {أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا ٣٤}⁣[الفرقان]؛ لأنه هنا فاعل⁣(⁣٣) في الأصل.

  فهذا بحث في المجاز نفيس لطيف، والإسهاب⁣(⁣٤) يخرجنا عن المقصود من الاختصار، والغرض الإشارة، (ولاستيفاء الكلام في ذلك) وتحقيق أحواله (فن آخر) غير هذا الفن، وهو المعاني والبيان، فاكتف بما ذكرنا هنا، وقس ولا عليه تحتبس.


(١) أي: جد اجتهاده وأصله: جد زيد جداً، أي: اجتهد اجتهاداً.

(٢) النسبة الإيقاعية هي: نسبة الفعل للمفعول فإن الفعل المتعدي واقع على المفعول أي متعلق به. والإضافية هي: النسبة الواقعة بين المضاف والمضاف إليه.

(٣) أي: شر مكانهم وضل سبيلهم.

(٤) أي: إكثار الكلام.