شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[معاني صيغة افعل المجازية]

صفحة 70 - الجزء 2

  أما الندب، فكقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}⁣[النور: ٣٣]، ويقرب منه التأديبُ، كقوله ÷ لعمر بن أبي سلمة المخزومي: «سَمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك» أخرجه البخاري ومسلم من حديث عمر المذكور، والإرشادُ، كقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}⁣[البقرة: ٢٨٢]، وقوله تعالى: {فَاكْتُبُوهُ}⁣[البقرة: ٢٨٢]، والعلاقة بين الوجوب والندب: إطلاق اسم المقيد على المطلق؛ لأن المعنى الحقيقي للصيغة هو طلب الفعل مع المنع من الترك، فاستعملت في مطلق الطلب.

  وأما الإباحة، فكقوله تعالى: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ}⁣[المؤمنون: ٥١]، ومنها: الإذن، كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}⁣[المائدة: ٢]، والعلاقة هنا أيضاً: إطلاق اسم المقيد على المطلق؛ لأن طلب الفعل يتضمن الإذن فيه مع الرجحان، فاستعملت الصيغة في مطلق الإذن.

  وأما التهديد فكقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}⁣[فصلت: ٤٠]، فليس المراد الأمر بكل عمل شاءوه كما سبق. وفصله⁣(⁣١) عن الإنذار بأنه⁣(⁣٢) هو التخويف، والإنذار: إبلاغ المخوف⁣(⁣٣)، كما فسَّره الجوهري. والعلاقة فيهما التضاد؛ لأن الشيء المهدد عليه إما حرام أو مكروه، بخلاف الواجب.

  وأمّا الامتنان فكقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}⁣[النحل: ١١٤]، وعلاقته كما في الإباحة. وفصله عنها بأنها الإذن المجرد، والامتنان لا بد فيه معه⁣(⁣٤) من اقتران حاجة الخلق لذلك الذي وقع به الامتنان والإنعام، أو عدم قدرتهم عليه⁣(⁣٥)، أو نحو ذلك، كالتعرض في هذه الآية إلى أن الله هو الذي رزقه.


(١) أي: التهديد.

(٢) أي: التهديد.

(٣) نحو: {قل تمتعوا} فإنه أمر بإبلاغ الكلام المخوف الذي عبر عنه بهذه الصيغة. أي: فهما متباينتان.

(٤) أي: الإذن.

(٥) أي: على ما وقع به الامتنان وهو الأكل من المرزوق، وإنما كان الأكل غير مقدور لتوقفه على ما ليس بمقدور وهو المرزوق؛ فإنه محتاج إلى الإيجاد والخلق.