[معاني صيغة افعل المجازية]
  أما الندب، فكقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}[النور: ٣٣]، ويقرب منه التأديبُ، كقوله ÷ لعمر بن أبي سلمة المخزومي: «سَمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك» أخرجه البخاري ومسلم من حديث عمر المذكور، والإرشادُ، كقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}[البقرة: ٢٨٢]، وقوله تعالى: {فَاكْتُبُوهُ}[البقرة: ٢٨٢]، والعلاقة بين الوجوب والندب: إطلاق اسم المقيد على المطلق؛ لأن المعنى الحقيقي للصيغة هو طلب الفعل مع المنع من الترك، فاستعملت في مطلق الطلب.
  وأما الإباحة، فكقوله تعالى: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ}[المؤمنون: ٥١]، ومنها: الإذن، كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة: ٢]، والعلاقة هنا أيضاً: إطلاق اسم المقيد على المطلق؛ لأن طلب الفعل يتضمن الإذن فيه مع الرجحان، فاستعملت الصيغة في مطلق الإذن.
  وأما التهديد فكقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}[فصلت: ٤٠]، فليس المراد الأمر بكل عمل شاءوه كما سبق. وفصله(١) عن الإنذار بأنه(٢) هو التخويف، والإنذار: إبلاغ المخوف(٣)، كما فسَّره الجوهري. والعلاقة فيهما التضاد؛ لأن الشيء المهدد عليه إما حرام أو مكروه، بخلاف الواجب.
  وأمّا الامتنان فكقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}[النحل: ١١٤]، وعلاقته كما في الإباحة. وفصله عنها بأنها الإذن المجرد، والامتنان لا بد فيه معه(٤) من اقتران حاجة الخلق لذلك الذي وقع به الامتنان والإنعام، أو عدم قدرتهم عليه(٥)، أو نحو ذلك، كالتعرض في هذه الآية إلى أن الله هو الذي رزقه.
(١) أي: التهديد.
(٢) أي: التهديد.
(٣) نحو: {قل تمتعوا} فإنه أمر بإبلاغ الكلام المخوف الذي عبر عنه بهذه الصيغة. أي: فهما متباينتان.
(٤) أي: الإذن.
(٥) أي: على ما وقع به الامتنان وهو الأكل من المرزوق، وإنما كان الأكل غير مقدور لتوقفه على ما ليس بمقدور وهو المرزوق؛ فإنه محتاج إلى الإيجاد والخلق.