[الكلام في مقدمة الواجب]
  وأما إذا ورد به(١) (مطلقاً) أي: (غير) مقيد بقيد ولا (مشروط) بشرط (وجب تحصيل المأمور به وتحصيل ما لا يتم إلا به) بالأمر الذي وجب به الواجب؛ إذ لا يمكن الإتيان بالمأمور به من دونه(٢) سواء كان سبباً - وهو: ما يلزم من وجوده الوجود، شرعياً كان، كالصيغة بالنسبة إلى العتق الواجب، أو عقلياً، كالنظر المحصل للعلم(٣)، أو عادياً، كحز الرقبة بالنسبة إلى واجب القتل - أو شَرْطاً، وهو: ما يلزم من عدمه العدم، شرعياً كان أيضاً كالوضوء، أو عقلياً، كترك أضداد المأمور به(٤)، ولذا قَبُحَ كلُّ ضد للواجب مَنَعَ وجودَه، أو عادياً، كغسل جزءٍ من الرأس في غسل الوجه؛ إذ لا يمكن تأدية الواجب على وجهه الذي وقع التكليف عليه بدون ما يتوقف حصوله عليه.
  وتحقيقه: أن إيجاب الشيء يقتضي المنع من تركه، وعدم إيجاب مقدمته التي لا يحصل على الوجه المطلوب منه إلا بها يقتضي جواز تركها، وهو يستلزم عدم المنع من تركه؛ فيجتمع النقيضان، وهو محال(٥).
  وأيضاً فإنه لا فرق عند العقلاء بين أن يقول: اشتر(٦) اللحم، وبين أن يقول:
(١) أي: بواجب.
(٢) وفي (نخ): لأن الأمر بالشيء أمر بمقدماته سواء كان سبباً ... إلخ.
(٣) بالصانع.
(٤) مثلاً إذا كلف القيام لأداء الوديعة حرم ضده وهو القعود.
(٥) فثبت أنه يقتضي وجوبه تحصيل ما لا يتم إلا به قطعاً؛ لأنه لو لم يجب لكان الآمر كأنه قال: افعل كذا حتماً وأنت مخير في فعل ما لا يتم إلا به وهذا يستلزم تكليف ما لا يطاق (أي: أنه لو لم يقتضي وجوبه وجوب ما لا يتم إلا به لكان مكلفاً به في حال عدم ما لا يتم إلا به والمفروض أنه لا يحصل على الوجه المطلوب من دونه) أو نقض الحتم وهو لا يصدر من حكيم فاستلزم ذلك أن الأمر بالشيء أمر بما لا يتم إلا به.
(٦) في تمثيل بعض الأصوليين: اشتر اللحم من السوق، وفيه: أنه يخرج عما نحن فيه من الإطلاق، والله أعلم. اهـ