شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[متى يجوز للمجتهد العمل بالعام]

صفحة 103 - الجزء 2

  يظهر الخاص ولا يجب البحث، ذهاباً منهم إلى أن العموم حقيقة في الاستغراق، والحقائق يلزم التَّمسك بظواهرها من دون طلب للمجازات؛ لأن الحقائق هي الأصل، والتخصيص مجاز طارٍ، والأصل عدمه.

  وأجيب بأن كونَ الأصلِ الحقيقةَ وعدمَ⁣(⁣١) المخصصِ لا يفيد⁣(⁣٢) ظن عدم التخصيص، بل لا يبعد ظن وجوده قبل الطلب؛ وذلك لسعة التخصيص خصوصاً في أحكام الشرع، والعمل فيها مع الشك والوهم لا يجوز اتفاقاً.

  (و) إذا ثبت وجوب البحث فاعلم أنه قد اختلف في قدره، فقال الباقلاني ومتابعوه: إنه لا بد من القطع بانتفاء المخصص مصيراً منه إلى أن الجزم بعمومه والعمل به مع احتمال وجود المعارض للعموم ممتنع؛ فإذا لم يحصل القطع بعدمه يَمْتنعُ الجزم بعمومه والعمل به، قالوا: ويحصل ذلك⁣(⁣٣) بتكرر النظر والبحث واشتهار كلام العلماء من غير أن يذكر أحدهم مخصصاً.

  ومختار أئمتنا $ والجمهور: أنه (يكفي) الباحث (المطلعَ) على مظانه من كتب السنن المدونة والجامعة لأبواب الفقه مع أدلتها، وإن لم يُحطْ بها أجمع لتعذرها (ظنُّ عدمه) أي: المخصص، فمتى بحث في مظانه ولم يجده وغلب في ظنه فقدُه جاز العمل حينئذ بمقتضاه؛ لأن الواجب في الأحكام العمل فيها بالعلم إن أمكن، وإلا فبالظن إن تعذر، والعلمُ طرقه منسدةٌ؛ لاتساع نطاق الإسلام، وانتشار الأحاديث النبوية في الأقطار، فلا سبيل لأحد إلى الوقوف منها على اليقين، وإذا أَعوز اليقين وجب الرجوع إلى غالب الظن.

  وكذلك الحكم في كل دليل مع معارضه كالنص مع ناسخه، والمطلق مع مقيده، فهذه المسألة راجعة إلى مسألة أنه يجب على المجتهد البحث عن الناسخ والمخصص الآتيةِ في باب الاجتهاد، فلا حاجة إلى ذكرها وإن اختلف الاعتبار فتأمل.


(١) أي: وكون الأصل عدم المخصص مسلم، ولكن ... إلخ.

(٢) خبر أن.

(٣) أي: القطع بانتفاء المخصص.