[حكم تراخي الاستثناء]
  أما الشرطية(١) فلأنه ÷ رُوي أنه قال: «والله لأغزون قريشاً» ثم سكت ثم قال: «إن شاء الله تعالى» رواه أبو داود.
  وروي أن أهل مكة بعثوا رهطاً منهم إلى اليهود يسألونهم عن أشياءَ يمتحنون بها رسول الله ÷، فقالوا: سلوه عن ثلاث، فإن عرفها فهو نبي: سلوه عن أقوام ذهبوا في الأرض(٢) ما يدرى ما صنعوا، وسلوه عن رجل(٣) بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وسلوه عن الروح؛ فلما رجعوا سألوا النبي ÷ عن ذلك، فقال: «غداً أجيبكم»، وتأخر الوحي بضعة عشر يوماً، ثم نزل: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ٢٣ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[الكهف]، فقال: «إن شاء الله(٤)»، رواه ابن إسحاق في السيرة، وأبو بكر البيهقي في دلائل النبوءة(٥).
  قلنا: لا نسلم صدوره(٦) من النبي ÷، وسكوته في الرواية الأولى يحتمل أن يكون من السكوت الذي لا يخل بالاتصال الحكمي كما سبق، ويحتمل أن يكون غيره، وحينئذ يصار إلى الترجيح، والراجح هو الأول؛ لِما تقدم من الدليل؛ جمعاً بين الأدلة.
  وأما الرواية الثانية فلا نسلم أنه قال ذلك بطريق الإلحاق لخبره الأول؛ لجواز أن يكون المراد: أقول إن شاء الله تعالى عند قولي أفعل كذا، وهذا كما إذا قال قائل لغيره: افعل كذا، فقال: إن شاء الله تعالى، أي: أفعله إن شاء الله تعالى.
(١) لفظ شرح الغاية: أما الشرطية فلأنه ÷ أفصح فصحاء العرب. وأما الاستثنائية فلأنه روي ... الخ. شرح غاية
(٢) وهم أهل الكهف.
(٣) وهو ذو القرنين.
(٤) ولا كلام يعود إليه ذلك الاستثناء إلا قوله: غداً أجيبكم، فعاد إليه، فصح الانفصال بضعة عشر يوماً، وفيه المطلوب. عضد.
(٥) ولا يقال: هذا شرط وكلامنا في الاستثناء؛ لأن من جوز الفصل في أحدهما جوزه في الآخر؛ إذ لا قائل بالفصل. شرح غاية.
(٦) أي: تراخي الاستثناء لأنه متأول.