شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[تخصيص المتواتر بالآحادي]

صفحة 129 - الجزء 2

  وأما بالمفهوم الموافق فمثل قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}⁣[الإسراء ٢٣]، فإن مفهومه - وهو ألا تؤذيهما⁣(⁣١) بحبس ولا غيره - مخصِّص لعموم قوله ÷: «لَيُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته» المتقدم تخريجه في مفهوم الصفة، ولذلك ذهب أصحابنا ونقل عن الرافعي والبغوي والنووي أن الوالد لا يحبس في دين ولده.

  وأما بالقياس فمثاله قوله ÷: «الثيب بالثيب جلد مائة» مع قوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ}⁣[النساء ٢٥]، ثم يقاس عليهن العبد.

  وأما بالعقل فمثاله قوله ÷: «أيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة أخرى» رواه ابن أبي شيبة والبيهقي، ورجاله ثقات، واختلف في رفعه ووقفه؛ فعموم لفظه يتناول الصبي والمجنون، وخُصَّا بالعقل؛ لاستحالة إرادتهما.

[تخصيص المتواتر بالآحادي]

  (و) يجوز تخصيص (المتواتر) أي: المعلوم؛ من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللازم، (بالآحادي) أي: بالظني كذلك، كما سبق من حديثي الزكاة.

  وإنما جاز تخصيص الأقوى بالأضعف لأنه بيان لا إبطال.

  واستيفاء الأقسام وأمثلتها يحتاج إلى مزيد بسط؛ فإن المخصوص الكتاب والقول من السنة والإجماع والقياس، معلوماً كان أو مظنوناً، والمخصص من الكتاب منطوق ومفهوم موافقة ومخالفة، ومن السنة كذلك، والإجماع، مع جواز أن يكون المخصص منها فعلاً أو تركاً أو تقريراً، لكن اللبيب الحاذق لا يعزب عنه اعتبار ذلك. وشمول عبارة المصنف لذلك ظاهر، إلا كون المخصوص الإجماع والقياس. فلعل مذهبه أنهما لا يخصَّصان.


= بتراب البرذعة والثياب؛ لعدم تحقق كونه ترابًا خالصًا؛ لاجتماعه من التراب وغيره. ذكر معناه بعض محققي أصحابنا رحمهم الله تعالى.

(١) وعموم هذا المفهوم مخصوص بجواز حبس الوالد لنفقة ولده، وبجواز حبسه لحق الغير إذا كان الحاكم هو الابن.