[حكم تعارض العمومين]
  (و) أما إذا ورد دليلان أحدهما أعم من الآخر مطلقاً أو من وجه فإنه (يصح) بينهما، أي: (بين العام والخاص) كذلك(١)، ظاهره ولو في قطعي، وهو ممنوع بما سبق وسيأتي في الترجيح.
  فإما أن يقع المتأخر منهما قبل إمكان العمل بالأول وجب العمل بالخاص اتفاقاً، إلا ما يروى عن ابن القاص(٢) من وجوب الترجيح بينهما أو الوقف.
  وإما أن يكون بعد إمكانه: فإما ألا يجهل التأريخ (فيعمل بالمتأخر منهما) عند الجمهور - لأنه ناسخ للمتقدم - ما لم يستلزم نسخ المعلوم بالمظنون كما سيأتي إن شاء الله تعالى، سواء كان المتأخر العام أو الخاص؛ لوجوه:
  منها: ما وري عن ابن عباس أنه قال: «كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث»، وهو ظاهر في فعل الجماعة؛ فكان إجماعاً، والعام المتأخر أحدث فوجب العمل به.
  ومنها: أنهما لفظان تعارضا وعلم تأخر أحدهما، فوجب تسليط المتأخر على السابق.
  ومنها: أن اللفظ العام يجري في تناوله لآحاد ما دخل تحته مجرى ألفاظ خاصة كل واحد منها يتناول واحداً من تلك الآحاد، فإن قوله: «اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ» قائم مقام قوله: «اقتلوا زيداً المشرك وعمراً وبكراً وخالداً»، ولو قال ذلك بعد أن قال: «لا تقتلوا زيداً» كان ناسخاً.
  (فإن) تعارضا كذلك و (جهل التأريخ) بحيث لم يعلم المتأخر منهما أو علم والتبس: فإن أمكن الجمع بينهما أو ترجيح أحدهما بأحد وجوهه وجب، وإلا تساقطا و (اطّرحا) في محل التعارض(٣)، ورجع فيه(٤) إلى حكم الأصل إن لم يوجد
(١) أي: أحدهما أعم من الآخر مطلقًا أو من وجه.
(٢) هو أحمد بن أبي أحمد الطبري، أبو العباس، ابن القاص، إمام عصره وصاحب التصانيف المشهورة منها التلخيص والمفتاح وله مؤلفات كثيرة في الفقه والأصول توفي سنة ٣٣٥ هـ بطرسوس. طبقات الشافعية.
(٣) أي: لا في الباقي.
(٤) أي: في محل التعارض.