شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[المبين]

صفحة 156 - الجزء 2

  (و) لا إجمال فيما نفي ذاته والمراد لوازمها، نحو قوله ÷: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) وما استكرهوا عليه» وقد تقدم تخريجه في باب المنطوق والمفهوم، وإنما لم يكن مجملاً لسبق المقصود إلى الفهم عرفاً؛ فإن من استقرأ كلام العرب أيضاً، ومارس ألفاظهم، واطلع على أعرافهم - علم أن مرادهم في مثل ذلك رفع المؤاخذة والعقاب. فإن السيد إذا قال لعبده: «رفعت عنك الخطأ» كان المفهوم أني لا أؤاخذك به ولا أعاقبك عليه، ولا يتبادر إلى أفهامهم غير ذلك، والأصل في كل ما يتبادر إلى الفهم أن يكون حقيقة ثابتة: إما بالوضع الأصلي، أو بعرف الاستعمال، ولا إجمال على شيء من التقديرين.

  وأيضاً فإن النبي ÷ لم يقصد إلا تعريفنا بما نؤاخذ به ونثاب عليه وبما لا يكون كذلك؛ فإذا قال: «رفع الخطأ» فكأنه قال: «رفعت المؤاخذة»، فيشمل الجميع؛ لأن الخطأ بذاته غير مرفوع؛ للعلم بالضرورة بحصوله منا، فلم يبق إلا أن المراد أحكام الخطأ، فيرفع عنا جميع أحكامه، فيكون من المسمى بعموم المقتضي كما سبق⁣(⁣١)، إلا ما دلت الدلالة على أنه يلزمنا من الغرامات مع الخطأ، كالإجماع على عدم سقوط كفارة القتل وغرامات الأموال المتلفة، ومثل وجوب الكفارة على الحانث ناسياً، والقضاء على المفطر ناسياً، عند جمهور أئمتنا $ لدلالة تخصه.

  (و) المختار أنه ينبغي تقدم إيقاع⁣(⁣٢) الأمر على الوقت المطلوب فيه الفعل من المكلف بوقت يمكن فيه معرفة ما تضمنه؛ لأن المكلف مهما لم يعرف ذلك لا يمكن امتثاله، وقد قدر بعض العلماء أقل ما يجب من التقدم أربعة أوقات: وقت يسمع فيه الخطاب، ووقت ينظر في حكمه، ووقت يحصل له فيه العلم أو الظن، والوقت الرابع يأخذ في الفعل المطلوب، وإلا كان تكليفاً بما لا يعلم، وهو قبيح مستحيل قطعاً وإجماعاً.


(١) في: «رفع عن أمتي ..» الخبر في الباب الثالث والسادس.

(٢) ذكر معنى ذلك في القسطاس وحاشية الفصول وغيرهما، لكنهم يذكرونه في باب الأمر، ورأيت أن جعله هنا أنسب كما لا يخفى.