شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[نسخ الأشق بالأخف والعكس]

صفحة 175 - الجزء 2

  المشقة الزائدة، وإن تركوا استضروا بالعقوبة، وهو غير لائق بحكمة الشارع.

  قلنا: ذلك لازم لكم في ابتداء الحكم؛ لنقل المكلف من الإباحة الأصلية والإطلاق إلى مشقة التكليف⁣(⁣١)، وأيضاً لا نسلم الأبعدية؛ لجواز أن يعلم الشارع أن الأصلح للمكلف هو النقل إلى الأثقل، كما ينقلهم من الصحة إلى السقم، ومن الشباب إلى الهرم.

  قالوا: قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة ١٨٥]، {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ}⁣(⁣٢) [النساء ٢٨].

  قلنا: اليسر والعسر والتخفيف في الآيتين مطلق لا عام، واللام للجنس لا للاستغراق، ولو سلم فالمراد في الآخرة، كتخفيف الحساب وتكثير الثواب. ولو سلم⁣(⁣٣) فمجاز باعتبار ما يؤول إليه؛ لأن عاقبة التكليف هذان⁣(⁣٤).

  ولو سلم كونه دنيوياً وحقيقة وعاماً فمخصوص بما ذكرناه من النسخ بالأثقل، كتخصيصه بالتكاليفِ الثقيلة الشاقة، وأنواعِ الابتلاء في الأبدان والأموال اتفاقاً.

  قالوا: قال تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}⁣[البقرة ١٠٦]، والخير هو الأخف، والمثل هو المساوي، والأشق ليس شيئاً منهما.

  قلنا: الأشق خير باعتبار الثواب؛ بدليل قوله تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ}⁣[البقرة ٢١٦]، وقوله تعالى: {لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ} الآية [التوبة ١٢٠]، ويقول⁣(⁣٥) الطبيب


(١) وجوابهم جوابنا.

(٢) والنقل إلى الأثقل بخلاف ذلك فلا يريده.

(٣) كون الاستغراق دنيويا.

(٤) اليسر والتخفيف.

(٥) عبارة العضد: وكما يقول الطبيب ... الخ.