شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[جواز وقوع النسخ في القرآن حكما وتلاوة]

صفحة 176 - الجزء 2

  للمريض: الجوع خير لك.

[جواز وقوع النسخ في القرآن حكما وتلاوة]

  (و) لا خلاف أنه لم ينسخ مجموع القرآن، وأما نسخ بعضه فمنعه أبو مسلم كما سبق؛ لقوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}⁣[فصلت ٤٢]، فلو نسخ بعضه لتطرق إليه البطلان.

  قلنا: النسخ ليس باطلاً، بل هو حق قطعاً، والباطل غير الحق، وكذلك المنسوخ ليس باطلاً؛ لوقوعه على وفق المصلحة وارتفاعه بارتفاعها، ولأن بيان انتهاء حكم وإزالته لا يقتضي إبطاله، فإنه حق في نفسه ومأمور به في وقته.

  ومختار جمهورهم جواز نسخه بالقرآن أو السنة (التلاوة) فلا يبقى اللفظ قرآناً (والحكم) فلا يبقى حكمه معمولاً به (جميعاً) يجوز أن يكون حالاً من مفعول المصدر، أي: يجوز نسخهما حال كونهما مجتمعين، ويرادف⁣(⁣١) كلاً في العموم، ولا يفيد الاجتماع في الزمن، بخلاف «مع»، وأن يكون تأكيداً، فإن ابن مالك قد عدها من ألفاظ التأكيد، قال: وأغفلها النحويون، وقد نبه سيبويه على أنها بمنزلة «كل» معنى واستعمالاً، ولم يذكر له شاهداً من كلام العرب، وقد ظفرت بشاهد له، وهو قول امرأة من العرب ترقص ابنها:

  فداك حي خولان ... جميعهم وهمدان

  وكل آل قحطان ... والأكرمون عدنان⁣(⁣٢)

  فعلى رأيه يعرب هنا تأكيداً للمفعول، والله أعلم.

  ومثال نسخهما حديث عائشة: «كان فيما أنزل: عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله ÷ وهي فيما يقرأ من القرآن»


(١) أي: جميعًا.

(٢) هذا نهاية كلام ابن مالك في كتابه شرح الكافية الشافية.