[الخلاف في جواز النسخ قبل التمكن من فعل المنسوخ]
  وفائدة الخلاف فيما لو كان المنسوخ عبادة واجبة؛ فمن يقول بنسخها لا يوجب القضاء على المخل بها قبل تمكنه من العلم بالناسخ، ومن لا يجيزه يوجبه.
  وأما بعد تبليغ النبي ÷ إلى المكلفين: فإن نسخ بعد إمكان فعله - بأن يمضي وقت يمكن فعله فيه، وإنما يكون ذلك في الوقت الموسع والمطلق - جاز اتفاقاً، وإن كان قبل إمكانه فعند أئمتنا $ والمعتزلة والصيرفي وحكي عن أكثر الحنفية والحنابلة أنه (لا يجوز نسخ الشيء قبل إمكان فعله) أي: إمكان المكلف أن يفعله، فلا يصح ولا يجوز أن يقول: «صلوا ركعتين» ثم يقول: «لا تصلوا ركعتين» قبل مضي وقت يسعهما؛ لأنه لو صح ذلك وجاز لكان نهياً عن نفس ما أمر به، أو أمراً بنفس ما نهى عنه، فإن كان ذلك لأنه ظهر له من بعد القبح أو الحسن كان بداء، وإن كان لأنه لم يظهر له شيء من ذلك كان عبثاً أو تجهيلاً، والكل على الله تعالى محال.
  وأجازه جمهور الأشاعرة وبعض الفقهاء؛ محتجين بأن كل نسخٍ(١) قبل وقت الفعل، وهو(٢) ثابت بالاتفاق؛ فيلزم تجويزه قبل الفعل(٣).
  بيانه: أن التكليف بالفعل بعد وقته محال؛ لأنه إن فعل أطاع وإن ترك عصى فلا نسخ(٤).
  قلنا: هذا غير النزاع، لأن النزاع في وقوعه قبل الوقت الذي قدر الشارع للفعل، والمذكور في شبهتكم(٥) قبل مباشرة الفعل، فأين أحدهما من الآخر(٦)؟
(١) يريد قبل وقت فعل قد باشر مثله قبله، مثل صوم عاشوراء فإنه نسخ قبل وقت صوم عاشوراء في عام النسخ بعد مباشرة صومه في العام الأول.
(٢) أي: النسخ.
(٣) أي: قبل الوقت الذي يتمكن فيه من أداء الفعل.
(٤) وكذلك في وقت فعله؛ لأنه فهل وأطاع به، فلا يمكن إخراجه عن كونه طاعة بعد تحققها. شرح غاية.
(٥) وقوعه.
(٦) وأيضاً قولهم: وكذلك في وقت فعله ... إلخ غير مسلم، فإنه بعد الشروع في المأمور به لا يعد ممتثلاً حتى يفرغ منه مع الإمكان. منه.