[الخلاف في جواز النسخ قبل التمكن من فعل المنسوخ]
  قالوا: قد وقع النسخ قبل التمكن، والوقوع فرع الجواز، فمن ذلك قصة إبراهيم # فإنه أمر بذبح ولده # - بدليل قوله تعالى حاكياً عنه: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}[الصافات ١٠٢]، ولأنه أقدم على الذبح وترويع الولد، ولو لم يكن مأموراً به لكان ذلك ممتنعاً شرعاً وعادة - ونسخ عنه قبل التمكن من الفعل؛ لأنه لم يفعل، فلو كان عدم الفعل عند حضور الوقت لكان عاصياً.
  ومنه حديث المعراج، فإنه يدل على نسخ الزائد من الخمسين صلاة على الخمس قبل التمكن(١).
  قلنا: لا نسلم أن شيئاً مما ذكرتموه من ذلك(٢)، أما قصة إبراهيم # فلجواز أن يكون المراد: افعل ما تؤمر في المستقبل(٣)؛ بدليل: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}، لا: ما أمرت.
  سلمنا أنه قد أمر فلا نسلم أنه أمر بالذبح، بل أمر بالمقدمات من الإضجاع وتحديد المدية والانتظار لما يترتب عليها من ذبح أو غيره، ومثل هذا الانتظار بلاء يحسن معه الفداء.
  سلمنا أنه أمر بالذبح نفسه، لكن الوقت موسع وقد تقضى منه ما يسعه، ولا يعصي به(٤)، ومثل(٥) هذا التعليق بالمستقبل لا يمنع النسخ.
(١) أي: من الفعل.
(٢) أي: من النسخ قبل التمكن.
(٣) ولم يكن قد أمر وذلك لأنه رأى في المنام أنه يؤمر ولم يؤمر. شرح غاية.
(٤) أي: بعدم فعله في الوقت المتقضي لأنه موسع.
(٥) قال في حاشية الغاية: هذا إشارة إلى جواب اعتراض، وحاصل الاعتراض أنه وإن كان موسعاً فالتوسيع لا يمنع تعلق الوجوب بالمستقبل لأن الأمر باق عليه قطعاً، فقد نسخ تعلق الوجوب بالمستقبل، وتعلق الوجوب بالمستقبل هو المانع عند المعتزلة كما هو مقتضى قولهم في الاستدلال إنه إن لم يكن مأموراً به لم يتحقق النسخ. وحاصل ما أجاب به الإمام المهدي عدم تسليم أن ذلك هو المانع، بل المانع هو عدم تمكن المكلف من فعل المنسوخ حتى ينسخ؛ لأنه مع عدم التمكن منه غير مكلف به فلا نسخ.