شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[حكم نسخ المتواتر بالآحادي]

صفحة 190 - الجزء 2

  وذهب جمع من الظاهرية إلى جوازه ووقوعه؛ لأنه إذا جاز تخصيص القاطع بالآحاد جاز نسخه بها؛ لأن ذلك تخصيص في الأعيان وهذا تخصيص في الأزمان⁣(⁣١).

  وأجيب بالفرق؛ فإن التخصيص بيان وجمع بين الدليلين، والنسخ إبطال ورفع لأحدهما.

  قالوا: قد وقع، والوقوع فرع الجواز؛ فإنه ÷ كان يبعث الآحاد لتبليغ مطلق الأحكام حتى ما ينسخ متواتراً لو كان. ونسخ الوصية للوالدين بقوله ÷: «لا وصية لوارث». ونسخ قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ}⁣[الأحزاب ٥٢] بما روي عن عائشة: ما مات رسول الله ÷ حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء.

  ونسخ قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً}⁣[الأنعام ١٤٥] بنهيه عن أكل كل ذي ناب.

  وأن التوجه إلى بيت المقدس كان متواتراً فاستداروا في قبا بخبر الواحد، ولم ينكره ÷.

  وأجيب عن الأول بمنع بَعْثِه ÷ للآحاد بما ينسخ قاطعاً؛ لظهور استواء الناسخ والمنسوخ⁣(⁣٢) في حق النائين عنه ÷ في كونهما تبليغ الآحاد، ولو سلم فلحصول العلم به بقرينة الحال.

  وعن الثاني: بأن الخبر معلوم لتلقي الأمة إياه بالقبول، روى أبو عبيدة عن الحسن قال: كانت الوصية للوالدين والأقربين فنسخ ذلك وصارت الوصية للأقربين الذين لا يرثون، ثم قال أبو عبيدة: وإلى هذا صارت السنة القائمة عن


(١) كذا نقل عن الظاهرية، وقد نقل عنهم أنه لا يجوز التعبد بخبر الواحد، ونقل عنهم أيضاً أن الخبر الآحادي يفيد العلم، ولا يخفى ما في ذلك من التدافع.

(٢) أي: ليس المنسوخ قطعياً؛ لأنه لم يصل إليهم إلا بخبر الآحاد، فنسخه بالآحاد نسخ للآحاد بالآحاد.