شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[التزام مذهب مجتهد معين]

صفحة 233 - الجزء 2

  وقال الجمهور: لا يجب؛ للإجماع المعنوي من الصحابة، فإن العوام كانوا يسألون من صادفوا منهم عما عرض لهم من دون إلزام لهم بذلك، ولا إنكار على من لم يلتزم مذهباً معيناً؛ إذ لو كان لنقل كما نقل عنهم الإنكار في غير ذلك.

  (وبعد التزام مذهب مجتهد) بأي وجوه الالتزام الآتية إن شاء الله تعالى، وسواء كان ذلك الالتزام لمذهبه حال كونه (جملة) أي: في جملة المذهب بأن ينوي اتباعه في رخصه وعزائمه جميعاً - (أو في حكم معين) فقط - بأن ينوي اتباعه في ذلك الحكم وحده أو في حكمين أو في أحكام معينه، فإنه متى حصل أيُّ ذلك (يحرم) عليه العمل بقول غير إمامه، و (الانتقال) إلى مذهب غيره (بحسب ذلك) الالتزام (على) المذهب (المختار)، وهو مذهب الجمهور؛ قياساً على المجتهد إذا اجتهد ووفى الاجتهاد حقه، فأداه اجتهاده إلى حكم من الأحكام لم يجز له العمل بقول غيره لغير مرجح كما تقدم.

  وقد يفرق بأنه إنما حرم على المجتهد الانتقال لأنه متى حصل له من نظره في أمارة ظنٌّ بحكم جَزَمَ بوجوب عمله بمقتضاه؛ لانعقاد الإجماع على أنه يجب عليه العمل بمقتضى ظنه، وليس كذلك المقلد، فإن ظنه لا يفضيه إلى علم؛ إذ لم ينعقد إجماع على وجوب اتباعه لظنه، بل انعقد على خلافه.

  (إلا) أن يعملَ بقول غير إمامه لمرجح ديني يغلب ظنه أنه الذي أمره الله به، بأن يكون أحوط، وإنما تتصور الأحوطية في الأفعال والتروك، لا في الاعتقادات؛ لأن اعتقاد ذلك لا يؤمن كونه جهلاً فيقبح، أو بأن يجد من هو أعلم من إمامه، أو أورع، أو لكونه مقلداً لغير أهل البيت $ فينتقل إلى مذهبهم، أو (إلى ترجيح نفسه إن كان) أي: صار (أهلاً للترجيح) حيث يصير مجتهداً مطلقاً أو في ذلك الحكم؛ بحيث يستوفي طرق الحكم الذي يريد الانتقال فيه، وهي الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس ودليل العقل، فمتى استوفاها حتى لا يغيب عنه شيء مما يحتج به عليه، ورجح ما رجح عنده وجب عليه ذلك، كالمجتهد إذا رجح عنده خلاف الاجتهاد الأول.