[بماذا يصير المقلد ملتزما]
  (و) قد عُلِم من الحد أنه (لا تعارض) بين قطعيين؛ لامتناع وقوع المتنافيين(١)، فلا يتصور الترجيح؛ لأنه فرع التعارض في احتمال النقيض، سواء كانا عقليين أو نقليين(٢) أو مختلفين، ولا بين قطعي وظني كذلك(٣)؛ لانتفاء الظن بالقطع بالنقيض(٤)، ولأنه لا مرتبة فوق اليقين.
  والمراد بالقطعي هنا: قطعي الثبوت والدلالة، إذ لو كان قطعي الثبوت دون الدلالة - كما إذا ثبت متنه بالتواتر، وكانت دلالته على المراد ظنية؛ لقيام الاحتمال الناشئ عن الدليل(٥) - لم تمتنع معارضته؛ نظراً إلى كون الدلالة ظنية، وكذلك العكس، كخبري آحاد دلالتهما على المراد قطعية، فإن مناط تعارضهما وقوع الظن في طريق الثبوت والوصول إلينا، إذ لولا الظن الحاصل في الطريق لامتنع ثبوتهما عن الشارع؛ لامتناع وقوع المتنافيين منه كما سبق. فحينئذ لا يتصور (إلا بين ظنيين)؛ لأن الظن متفاوت، وله مراتب، حتى إنه يقبل التزايد إلى أن يقرب من مرتبة اليقين.
(١) أي: النقيضين أو الضدين؛ لأن معنى القطع: تحقق حصول كل منهما في الواقع في زمن الآخر ومحله، وذلك يستلزم اجتماع المتنافيين في محل واحد، وهو محال، ولذا حكمنا بأن المصيب في القطعيات واحد. ومن جوز وقوعه يقول: وقوعه كاشف عن التخيير بين الحكم ونقيضه، كما ثبت في كل واحد من خصال الكفارة وجوب فعله وإباحة تركه بفعل غيره. وغاية الفرق بين خصال الكفارة ومدلول الدليلين المتناقضين أن التخيير في خصال الكفارة بدلالة حرف التخيير، وفي مدلولي الدليلين بدلالة الاقتضاء، وكلاهما من المنطوق، ذكره في نظام الفصول.
(٢) والكلام في النقليين حيث لا نسخ بينهما. ولباحث أن يقول: لا بعد في أن يجري فيهما الخلاف الآتي في الأمارتين لمجيء توجيهه الآتي فيهما. ذكره في شرح الجمع للمحلي.
(٣) أي: سواء كانا عقليين أو نقليين أو مختلفين.
(٤) في غير النقليين، كما إذا ظن أن زيداً في الدار لكون مركبه وخدمه ببابها، ثم شوهد خارجها، فلا دلالة للعلامة المذكورة على كونه في الدار حال مشاهدته خارجها، فلا تعارض بينهما. بخلاف النقليين، فإن الظني منهما باق على دلالته حال دلالة القطعي، وإنما قدم عليه لقوته. ذكره في شرح الجمع.
(٥) يعني عن الدليل الآخر.