[الأدلة الشرعية]
  وأيضاً فإنه خطاب أحكم الحاكمين: فإما أن يريد به الحفظ والتفهم، وإما أن يريد به إفهامنا، والأول باطل، فتعين الثاني، وذلك لا يكون إلا بما له معنى يعقل، فثبت أن خطاب الحكيم لا بد وأن يكون له معنى، فلذا قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}[محمد ٢٤].
  (و) ثالثها: أن يعلم أنه (لا) يوجد فيه (ما المراد به خلاف ظاهره من دون دليل) يدل عليه وقت حاجة المكلف(١)، فأما مع الدليل فذلك كثير، كما في {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ}[المائدة ٨٩]، فالمراد غير ظاهره من الإطلاق، وهو التتابع؛ لقراءة ابن مسعود: «متتابعات».
  و «ما» بمعنى شيء، و «المراد» بدل أو نعت على الرأيين، لا موصولة؛ لعدم دخول الموصول على مثله(٢) في العربية، ذكره ابن السراج، وجوزه الرضي [وجعله(٣)] تأكيداً لفظيًّا. (خلافا(٤) لبعض المرجئة) فيقولون في آي الوعيد: إن المراد بها خلاف ظاهرها من دون دليل كذلك، ويجوزون شرطاً أو استثناءً مضمراً لا دلالة عليه، كقوله تعالى: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ١٤}[الانفطار ١٤]، قالوا: إن أراد الله تعذيبهم، أو إلا أن يعفو عنهم، أو إن كانوا كفارا، أو نحو ذلك.
  قلنا: يلزم مثل ذلك في الأمر والنهي والوعد، فيلزمكم في قوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ}[الأنعام ٧٢]: إن شئتم، أو إن لم يشغلكم عنها إرب(٥)، وذلك انسلاخ من الدين، وتلعب بكلام أحكم الحاكمين، تعالى عن مقالة الظالمين.
(١) إشارة إلى أن هذا مطلق مقيد بما سيأتي من أنه يجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة، والله أعلم.
(٢) لأن «أل» في «المراد» موصولة.
(٣) ما بين المعكوفين موجود في نسخة.
(٤) وذكر في شرح لقمان خلافاً للباطنية فإنهم يقولون: إن له معنى باطناً خلاف ظاهره من دون دليل، وإن المراد بالبقرة: عائشة، وبالجبت والطاغوت: أبو بكر وعمر، وبالأمهات: العلماء. وبتحريمهن: تحريم مخالفتهم، وفيه أنه سيأتي أن هذا من التأويل المتعسف، والتأويل يلزمه الدليل، على أنا لو فرضنا ذلك قولا لهم هنا فبمَ علم أنَّ ما ذكروه هو المراد؟ فيحقق، والله أعلم. منه.
(٥) الإربة والإرب: الحاجة، وفيه لغات: إرْبٌ وإرْبَةٌ وأرَبٌ ومَأرُبَة ومَأرَبَة. لسان العرب.