[الدليل الثاني: السنة]
  وإن أراد به ما يشمل معلوم الوجه ومجهوله - كما ذهب إليه المنصور بالله #، وبعض المعتزلة، والشافعية، والحنابلة - ففيه أنَّ الحكمَ بوجوبه مع جهل الوجه الذي هو جزء ماهيته(١) تكليفٌ بالمحال، مع مناقضته لما سيأتي أيضاً.
  وإنما يجب التأسي به سمعاً لا عقلاً؛ إذ لم نعلم وجوب اتباعه إلا لعلمنا بأنه امتثال لأمر الشارع بما شاء أن يستأدي شكره منا، فإذا لم يرد أمره(٢) به(٣) فمن أين يجب؟
  وأيضاً فإنا نجوز اختلاف حكمنا وحكمه - كما قد وقع - فلا بد من دليل سمعي به حينئذٍ، وهو نحو قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}[الأحزاب ٢١]؛ لأن معناه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فله في رسول الله أسوة حسنة، فدلت على لزوم التأسي للإيمان، ويلزمه بحكم عكس النقيض عدم الإيمان لعدم التأسي، والإيمان واجب، فكذا لازمه الذي هو التأسي، وعدم الإيمان حرام، فكذا ملزومه الذي هو عدم التأسي، وإلا ارتفع اللزوم. وقوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ}[الأعراف ١٥٨]، وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}[آل عمران ٣١].
  لا يقال: ظاهرهما(٤) يفيد وجوب الاتباع وإن لم يعلم الوجه؛ لأنا نقول: المتابعة هي الإتيان بمثل فعله على الوجه الذي أتى به من وجوب أو غيره، حتى لو فعله الرسول ÷ على قصد الندب - مثلا - ففعلناه على قصد الإباحة أو الوجوب لم تحصل المتابعة، وحينئذ فيلزم أن يكون الأمر بالمتابعة موقوفا على معرفة الجهة، فإذا لم تعلم لم نكن مأمورين بها، والله أعلم.
(١) أي: ماهية الفعل.
(٢) الضمير راجع إلى الشارع.
(٣) ضمير به راجع إلى التأسي.
(٤) أي: الآيتين.