[الدليل الثاني: السنة]
[المتواتر]
  (فالمتواتر) لغة: ما تتابع من الأمور شيئا بعد شيء بفترة، من الوتر(١)، ومنه {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى}[المؤمنون: ٤٤].
  واصطلاحا: (خبر جماعة) خرج خبر الواحد والاثنين مطلقاً(٢) (يفيد) كل سامع له عاقل إن تساوت أحوالهم من جميع الوجوه(٣) (بنفسه العلم) أي: بذاته، أي: من دون قرينة، فيخرج مفيدُهُ بها، ومفيدُ الظن مطلقاً(٤)، وما لم يفد إلا بعض العقلاء؛ لدلالته على أن إفادته لا بذاته؛ لأن ما بالذات لا يتخلف. وقوله: (بصدقه) مستدرك(٥)، أو للاحتراز عن ما أفاد العلم بمجرد وجود قائله.
  واختلف في أقل عدد التواتر، فقيل: اثنا عشر كعدد نقباء(٦) بني إسرائيل في قوله تعالى: {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا}[المائدة ١٢]. وقال أبو الهذيل(٧): عشرون؛ لقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} الآية [الأنفال ٦٥]، فتوقف بعث عشرين لمائتين على إخبارهم بصبرهم، وكونهم على هذا ليس إلا لأنه أقل ما يفيد العلم المطلوب في مثل ذلك، وليفيد خبرهم العلم بإسلام الذين يجاهدونهم ويقاتلونهم.
  وقيل: أربعون؛ لقوله تعالى: {حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ٦٤}[الأنفال] وكانوا أربعين، فلو لم يفد قولهم العلم لم يكونوا حَسْبَ
(١) أي: مشتق من الوتر.
(٢) سواء أفاد العلم أم لا.
(٣) وهو بعيد جدًّا؛ إذ هو يختلف باختلاف المخبِر والمخبَر وهو السامع، فكم من سامع يحصل له العلم بخبر جماعة ولا يحصل لآخر بذلك الخبر؛ وذلك لاختلافهم في تفرس آثار الصدق والإدراك والفطنة. غاية.
(٤) سواء وجدت قرينة أم لا.
(٥) أي: مستغنى عنه.
(٦) وذلك لأنهم نصبوا للتعريف بأحوال بني إسرائيل فلو لم يحصل العلم بقولهم لم ينصبوا. غاية.
(٧) هو محمد بن الهذيل العلاف، رأس المعتزلة، وصاحب التصانيف، توفي سنة ٢٢٧ هـ، تحامل عليه الذهبي في سير أعلام النبلاء.