[الدليل الثاني: السنة]
  (و) كذا (لا) يؤخذ بأخبار الآحاد أيضاً (فيما تعم به البلوى علماً) أي: يلزم كل مكلف اعتقاده والعلم بما فيه لو ثبت عن الشارع، فيجب أن يرد إن لم يعلم صحته، ويقطع بكذب ناقله إن لم يوافق قاطعاً إلا بتعسف، (كخبري الإمامية) فإنها روت أن النبيء ÷ نص على أن الإمامة في اثني عشر إماماً معينين بأسمائهم، ولم ينقل نقلاً متواتراً مع كثرةِ سامعيه وتوفرِ الدواعي على نقله، فحكموا بأن الانفراد فيما هذا شأنه لا يدل على الكذب.
  (والبكرية) وهم فرقة من المجبرة منسوبون إلى بكر بن عبدالواحد، روتْ أن النبيء ÷ نص نصًّا جليًّا على إمامة أبي بكر، ولم ينقل كذلك(١).
  قلنا: يجب استفاضة مثل ذلك؛ لأنا نعلم ضرورة مما جرت به العادة فينا أنه لا يجوز أن ينفرد واحد بنقل ما توفر الدواعي إلى نقله وقد شاركه فيه جماعة وافرة، فينقله ولا ينقله غيره منهم؛ لأن ذلك يكون بمنزلة إخبار واحد من جماعة كثيرة حضروا الجمعة بأن خطيبهم قتل على المنبر، ولم ينقله غيره، فكما أنا نقطع بكذبه حيث لم ينقله غيره - لأن دواعي غيره إلى نقله كدواعيه إلى نقله - نقطع بكذب ما أشبهه، ولا شك أن دعوى النص المذكور على الاثني عشر، وعلى أبي بكر مثلُ إخبار المخبر بقتل الخطيب؛ لاشتراكهما في توفر داعي السامع إلى نقله؛ لعظم حاله؛ ولذلك يقطع بكذب من ادَّعى أن القرآن عورض بمثله ولم تنقل تلك المعارضة، ولأن مثل ذلك يؤدي إلى تجويز أن الرسول ÷ قد أمرنا بغير هذه الصلوات، وأنه قد نهانا عنها، وأمر بشرب الخمر بعد تحريمه، لكن لم ينقل ذلك إلينا، وأن بين مكة والمدينة مدينةً أعظم منهما ولم ينقل إلينا، وذلك ظاهر الفساد؛ لتأديته إلى هدم الدين.
  قالوا: إن لم يعلم انتفاء الحامل على كتمان الخبر لم يحصل الجزم بكذبه، فإن الأغراض الحاملة عليه كثيرة، كالخوف والحسد؛ ولذا لم تنقل النصارى كلام
(١) أي: نقلاً متواتراً.