[الدليل الثاني: السنة]
  {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء ٣٦]، ونحوها، فاقتضت تحريم العمل بالظن في الشرعيات، فالعمل بخبر الواحد خلاف الأصل؛ للنهي عن اتباع الظن، إلا ما خصه دليل، ولا دليل يدل على جواز العمل بالظن إلا في خبر العدل، وهو إجماع الصحابة على قبوله كما قدمنا، فبقي ما عداه على أصل التحريم، وخبر المجهول مما عداه.
  وقال أبو حنيفة(١)، ومحمد بن منصور(٢)، وابن زيد(٣)، والقاضي(٤) في العمد، وابن فورك(٥): يقبل؛ محتجين بقوله ÷: «نحن نحكم بالظاهر»، وقبوله ÷ خبر(٦) الأعرابي.
  قلت: أما الأول فقد قال المزي والذهبي: لا أصل له. نعم، الذي في البخاري عن عمر: «إنما نؤاخذكم(٧) الآن بما ظهر لنا من أعمالكم».
  وأما الثاني: فيحتمل أن يكون قد عرفه(٨) ÷، أو قد كان صح له
(١) كذا في كتب الأصول الإطلاق عن أبي حنيفة في الرواية والفتوى والترجيح من أنه يقبل المجهول، وفي الحكاية عنه نظر، فإنه حكى في الهداية عنه في شرح قوله: «والمختار قبول من لا يرسل إلا عن عدل» أن أبا حنيفة لم يقل بقبول المجهول مطلقاً، بل إلى تابعي التابعين؛ لقوله ÷: «خير القرون قرني ..» الحديث، ولذا اختلف هو وصاحباه، فقضى بظاهر العدالة؛ للحوقه لتابعي التابعين، لا هما؛ لعدم لحوقهما. والله أعلم.
(٢) هو الإمام الحافظ محدث الزيدية وحافظ علوم الآل محمد بن منصور بن يزيد المقري المرادي الكوفي، شيخ الأئمة، وتلميذ الأئمة، له كتب كثيرة ذكرها ابن النديم، توفي | قرب سنة ٣٩٠ هـ.
(٣) هو العلامة الجليل عبد الله بن زيد بن أحمد بن أبي الخير العنسي، من كبار علماء الزيدية في القرن التاسع الهجري، له مؤلفات شهيرة، قيل: إنها بلغت مائة كتاب وخمسة كتب ما بين صغير كبير، توفي | سنة ٦٦٧ هـ.
(٤) هو القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن خليل أبو الحسن الهمذاني المشهور بقاضي القضاة، وهو علامة متكلم شيخ المعتزلة، مات سنة ٤٢٥ هـ.
(٥) هو أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني، من علماء الأشعرية درس بالعراق ومات بنيسابور.
(٦) في رؤية الهلال.
(٧) في البخاري: نأخذكم.
(٨) أي: الأعرابي وعرف عدالته.