مجموع كتب ورسائل الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني،

الحسين بن القاسم العياني (المتوفى: 404 هـ)

[تنوع المخلوقين]

صفحة 377 - الجزء 1

  مشيهاً، فازهدوا رحمكم الله في هذه الدنيا فإن أمرها يسير، وخطرها عند من عرفها دني حقير، لا يغتر بها إلا جاهل مغرور ليس له حكمة ولا عقل ولا تدبير، ولا يتم لأحد فيها سرور، من ملأت قلبه سروراً ملأته غماً، ومن سقته من حلاوتها أعقبته سُماً، ومن أقرت عينيه أورثته العمى، ومن كحلته بزينتها أورثته القذي، ومن ملأ فاه من حسنها ضحكاً ملأت وجهه عن قليل بكاء.

  ودليل آخر: أن الله سبحانه أراهم التفاضل في هذه الدنيا ليفرقوا بين الفاضل والمفضول، ويرغبوا في الملك الذي في الآخرة لا يزول، والدار التي إليها جميع الخلق تؤول، فكم حسن يكون في الآخرة قبيحاً، وكم قبيح يكون في الآخرة مليحاً، وكم عزيز يكون في الآخرة ذليلاً، وكم غني يكون في الجحيم فقيراً، فلذلك فليعمل العاملون، فهم عن الدنيا الدنية راحلون، وإلى دار الإقامة والجلد واصلون، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ٢٤}⁣[الصافات: ٢٤]، فيا ويح مسئول لم يعد جواباً ولم يقل في الدنيا والآخرة صوابا، رحل من الدنيا بغير زاد فهلك في الآخرة والمعاد.

  ودليل آخر: أن الله سبحانه مسبب الأسباب ومدبر الحكمة بعجائب الصواب، وذلك أن القبح ربما زهد في الحرام والحسن ربما أوقع في المصائب والآثام، ومرة يكون الحسن داعياً لبعض الناس إلى الخيرات والحلال، ومطرباً إلى طاعة الله ذي الجلال، وربما نشط صاحبه إلى الطباع والأخلاق وأبعده من [الدناءة]⁣(⁣١) والبخل والنفاق، ولربما كان الحسن كرامة للمطهرين وجمالأ وزينة للتائبين وربما كان حجة على من رزقه من الكافرين.


(١) في المخطوط: (الأباة)، ولعل الصواب ما أثبتناه.