[اختيار المعرفة]
[اختيار المعرفة]
  فإن سأل عن معرفة الله(١) سبحانه وظهر دليله وإيقانه، فقال: أمعرفة الله اضطرار أم اختيار؟
  فالجواب له في ذلك: أن معرفته اختيار، ولو كانت معرفته ضرورة كمعرفة الأرض والسماء، وغيرهما من الأشياء، لما كان بين معرفة الجاهل والعالم فرقٌ، ولكان الخلق كلهم بالله عارفين، ولما كانوا أبداً جاهلين، ولكانوا جميعاً به موقنين، وعلى معرفته مجمعين، وهذا محال عند أهل(٢) العقول، فأما من كان من الجهال، وأهل الحيرة والضلال، فلن يزال ذلك في الشك متردداً حائراً، وعن اليقين بالله نائياً جائراً، إذا رضي بتعطيل ما ركب الله من عقله، واستغنى عن المعرفة بجهله.
  وإنه وإن كان بالله جاهلاً، وعن اليقين به غافلاً، فليس بمعذور في ترك طلب الدليل، والنظر والبحث عن الخطب الجليل، فإن عطل ذلك لم يكن معذوراً، وإن كان عن الله حائراً مغموراً، لأن الله ø قد جعل له عقلاً وفكراً [وتمييزاً وذكراً](٣)، واضطره إلى درك صنع عجيب، لا يخلو في الفعل(٤) من أحد أوجه، مَن أعطاها لم يضطر إلى حقيقتها إذ جهلها، وسنذكر إن شاء الله ما يصح لذوي الألباب، [ونستدل به على رب الأرباب](٥).
(١) في (ب): عن معرفته سبحانه.
(٢) في (ب): عن جميع أهل العقول.
(٣) في (ب): وفكراً وتقديراً وذكراً.
(٤) في (ب): العقل.
(٥) في (ب): ما بين المعكوفين ساقط في (ب).