باب الدلالة على حدث الأجسام
[عودة إلى بيان صنع الله وحكمته]
  وسنعود إلى بيان صنع الله وحكمته وما هو أكثر من الأدلة برحمته فنقول: إن أعظم الدلائل على الله سبحانه وعز عن كل شأن شأنه، ما فطر من الأرضين والسماوات العلا وصنع منهما تبارك وتعالى.
  فإن سأل سائل عن بيان صنع الله فيهما وتدبيره وحكمته وتقديره فجوابنا له في ذلك وبالله نستعين [ما شاهدنا(١) من إثبات السماوات بلا عمد وإثبات الأرضين ففي ذلك أدل الدلائل على رب العالمين.
  ودليل آخر: أنا نظرنا إليهما فإذا هما موصولتان مجتمعتان ولا بد لكل توصيل من موصل، ولا بد لكل تفصيل من مفصل، ولا بد لكل مجموع من جامع، ولكل مصنوع محدث من صانع، وهو الله رب العالمين.
  فإن قال: وما أنكرت أن تكون الأرض لا نهاية لها وكذلك السماء؟
  قيل له ولا قوة إلا بالله: أنكرنا ذلك لأن ما صح حدثه فقد صح منتهاه ولا بد لكل مخلوق من غاية يتناهى إليها، وصفة لا يوجد إلا عليها، إذ لا بد للمخلوق من تحديد محدده، والإحاطة بعلمه، ولا بد له من منقطع يدل على قاطعه، وحدود تدل على محدده وصانعه، وسنبين إن شاء الله من ذلك طرفاً نكتفي به عن التطويل من صنع الله العليم الجليل، وذلك أنا نظرنا إلى الأرض فإذا هي مختلفة الألوان والأقدار، فعلمنا أن لها صانعاً مؤلفاً باين أجناسها، ولو كانت قديمة لاتفقت ولما تفاوتت ولا اختلفت، لأن القديم لا فرق بينه في حال من الأحوال والمحدث فقد فرق بينه الله ذو الجلال.
(١) من هنا إلى قوله: والسكون هو اللبث. ساقط من المصفوف عليها (أ) وأثبتناه من النسخة (ب).