[الحكمة من الموت والأسقام]
  وفيه دليل آخر: لولا أن الله أرانا حسن الدنيا ولذاتها لما عرفنا حسن الآخرة وزينتها، فضرب لنا الدنيا برحمته مثلاً، وجعلها على الآخرة دليلاً، فنظرنا القبيح الذي وعد به الكفار فخشيناه، ورأينا الحسن الذي وعد به الأبرار فهويناه، فأهل الجنة جميعاً يردون إلى النور والإسفار، وأهل النار يردون إلى السواد والإغبرار، فأعرضوا رحمكم الله عن هذا الزائل الفان، واقبلوا إلى طلب الأمان، والخلود في النعيم والجنان، والحسن الذي لا يزول آخر الأزمان وللرجال فضيلة في الآخرة على الحور الحسان لفضل ما جعل الله من الثواب للذكران فهم في الحسن والكمال أفضل من النسوان، فإلى مثل ذلك يطرب أولو النهي والألباب، مع الراحة والخلاص من كُرب العذاب، فلله آباؤكم شمروا عن الونا واعرضوا عن دار المصائب والفناء، وجاهدوا في الله حق الجهاد، تكونوا آمنين في الآخرة والمعاد، فإنما هي أيام يسيرة ومدة من العمر قصيرة، فعليكم بالهرب من العذاب المهيل، واعولوا على أنفسكم أكثر العويل، فطوبى لمن تطهر وتزكَّي وجعل مع الضحك البكاء ولم يشرك في عمله بالنفاق وأيقن عن الدنيا بالفراق، فكأن بنا وقد ذهبت أجسامنا وبقي عند الله عملنا وحسابنا، فنسأل الله أن لا تخرج أنفسنا إلا في الجهاد، فهو أفضل الذخائر ليوم المعاد.
[الحكمة من الموت والأسقام]
  ومن سأل من الملحدين فقال: لم خلق الله الموت والأسقام؟
  قيل له: ذلك رحمة منه سبحانه لجميع الأنام، وتزهيد منه لهم في الحلال والحرام، وموعظة جليلة لأهل الكفر والإسلام، ولولا خوف الموت لهلك أكثر العباد ولوقع أكثرهم في الهلاك والفساد، فأي موعظة ما أحسنها