[لماذا لم يصرف الله أعداءه عن أولياته]
  أنه الزمهم العصيان بجبره؟ ام عذبهم على نفسه؟ أم عذبهم على خلقه لهم ورزقه؟
  فإن قالوا: إنه عذبهم على خلقه لهم فقد بان كذبهم على أنفسهم دون غيرهم.
  وإن قالوا: إنه عذبهم على أن الزمهم الكفر وجبرهم عليه، وساقهم سوقاً حتى ألجأهم إليه فقد جعلوا الذنب منه لا منهم، وأزاحوا الذم واللوم عنهم.
  وإن قالوا: إنه عذبهم على علمه فقد جعلوه يعذب على نفسه لأن علمه ذاته، والله لا يسمي كفراً فيعذب عليه من فعله، أو يُثاب من صنعه وعمله، وإن رجعوا إلى الحق فقالوا: بل يعذبهم بذنوبهم ويعاقبهم على فعلهم وكسبهم فقد خرجوا من كفرهم وضلالهم وتجاهلهم وخيالهم، فانظروا رحمكم الله إلى خلاف هولاء - الفاسقين الظلمة المنافقين - لآل رسول رب العالمين أين أوقعهم وفي أي مصرع من الجهل صرعهم، ينظروا إلى أقبح المصائب في الدين وأبعده من الحق اليقين، وذلك لخلافهم لأدلتهم ومشاقتهم له وعداوتهم.
[لماذا لم يصرف الله أعداءه عن أولياته]
  فإن قال قائل: أليس زعمتم أن الله يحب أولياءه فكيف لم يصرف عنهم أعداءه؟
  الجواب في ذلك: أنه بني أجسام العباد على الضعف والفناء، ولم يصرف عنهم المحن في الدنيا؛ ليكون ذلك أعظم لزهدهم وأكبر لحرصهم في الطاعة وجهدهم، ولو صرف عنهم المحن طول حياتهم لكان ذلك أعظم لغفلتهم، واقل لزهدهم وحرصهم، ولو قل زهدهم لطال أملهم وقل صبرهم،