[معرفة الذات]
  فرحم الله عبداً اجتهد في طلب الدليل على ربه، وأجد في عمارة قلبه.
  ومعرفة مولانا تخرج على وجهين، وتنقسم في المعقول على قسمين: فأول المعرفة معرفة الذات، والوجه الآخر معرفة الصفات.
[معرفة الذات]
  واعلموا أن معرفة صفاته لا تصح إلا بعد معرفة ذاته، وأقرب الأدلة لنا عليه وأسرعها داعياً إليه ما شاهدنا من آثار صنعه فينا، وذلك أنا نظرنا إلى أنفسنا فإذا هي أقرب الأشياء إلينا، فرأينا كل جارحة من جوارحنا قد جُعلت لمصلحة من مصالحنا، فعلمنا أن الإصلاح لا يكون إلا من صانع عالم؛ لأنه لو كان جاهلاً لما اهتدى إلى الصلاح، وكذلك دلنا على قوته وقدرته ما شاهدنا من نفاذ مشيئته، ولو عجز لما نفذت إرادته، ولو ضعف لما تمت صنعته، ودلنا على حياته ما رأينا في أنفسنا من حكمته، والميت لا يكون حكيماً ولا يكون مدبراً عليماً، ودلنا على قدمه وأزليته أنه لو كان محدثاً كبريته لتعذر عليه خلق أجسامهم كما تعذر عليهم خلق أمثالهم، لأنه لو كان محدثاً لكان جسماً، والجسم لا يخلق لحماً ولا دماً، وإنما يفعل الجسم حركة أو سكوناً.
  ودلنا على وحدانيته عدم دعوة غيره لبريته، فعلمنا أنه لا خالق سواه، إذ لم يدع أحد من الربوبية دعواه، ولو كان معه رب ليين حكمته ولما أخفى أبداً ربوبيته، ولما أسقط كرمه ورحمته ولأظهر وأسبغ نعمته، ولما أخمل ساعة ذكره، ولشهر فضائله وأمره، فإن منعه من إظهار حكمته مانع فالممنوع عاجز مصنوع لا صانع، والصفات القديمة فهي لله ﷻ، وعظمت نعمته وأفضاله.