إلى شهادة الألباب، وأبعد من الشك والارتياب، أقَوْل من قال إنه قديم بغير دليل؟ أم قول من شهدت له محكم العقول، ورجعت إلى قوله بالقبول لصنع الواحد الحكيم الجليل، لا تجد لذلك دفعاً، ولا بعده مقنعاً، ولا تملك له أبداً منعاً، إلا بالمكابرة والجدال، والزور والجحد والمحال، والحيرة والمرية والضلال، فانظر إلى أولى المعنيين بالحق فهما غير متقايسين في الصدق، فاقبل أصدقهما وأوضحهما دليلاً وأحقهما، وفي ذلك من الدلائل ما لا يدفعه لبيب، غير أنا نميل إلى الاختصار والإيجاز.

[حدود الهواء وجهاته]

  فإن سأل سائل فقال: فهل له حدود يتناهى إليها؟

  قيل له ولا قوة إلا بالله: حدوده انقطاعه وعدمه.

  فإن قال: فهل له جهات؟

  قيل له ولا قوة إلا بالله: ليس له جهات تحويه، لأن بعضه جهات لبعض، فأعلاه جهة لما دونه، وأسفله جهة لما فوقه، ووسطه جهة لجوانبه.

  فإن قال: فإذا قد حددته فقد غايرت بين حدوده وإذا غايرت بين حدوده فقد جعلتهما أماكن، وإذا جعلتهما أماكن فقد أبطلت نهايته؟

  قيل له ولا قوة إلا بالله: اعلم أيها السائل أني ذهبت إلى شيء لم تذهب إليه واعتمدت على ما لم تعتمد عليه، وذلك أنك ظننت أني حددته بجهات غير حدوده، وهذا محال؛ لأني قد نفيت ذلك في مسألتك عن الجهة، وإنما معنى قولي: له حدود، أريد بذلك أن منقطعه من أسفله غير منقطع أعلاه، ومنقطع جوانبه غير