[الدلالة على حدوث طينة العالم]
[الدلالة على حدوث طينة العالم]
  فإن قال: وما أنكرت أن تكون(١) طينة العالم قديمة لم تزل ميتة، ثم حييت وانتقلت عن سكونها فتحركت!
  قيل له ولا قوة إلا بالله: أنكرنا قدمها الذي ذكرت، لأنها إذا كانت ميتة كما زعمت، ثم حييت بعد موتها فذلك دليل على محييها، لأن الحياة من أكثر النعم وأجلها وأعظمها، ولا بد لكل نعمة من منعم، ويستحيل أن يكون الكرم من غير متكرم، إذ في الحيوان من الحكمة مالا يتم إلا لعالم، كما يستحيل أن يكون الكلام المحكم من غير متكلم.
  ودليل آخر: إذا كانت الطينة - بزعمك - لم تزل ميتة ثم بطل موتها، فقد بطل قدم الموت، والقديم لا يبطل.
  فإن قال: وما أنكرت من بطلانه؟
  قيل له ولا قوة إلا بالله: لأن بطلان موتها يدل على حدوثها، وذلك أنها - بزعمك - قد أقامت ميتة دهوراً طويلاً، وإذا كانت كما زعمت فللدهور نهاية وغاية، لأن الدهر محدث وما لم ينفك منه فهو مثله في الحدث، لأن الدهر قد انقطع كل ما مضى منه، ولم ينقطع إلا بعد حدوث كل ساعة من ساعاته.
  ودليل آخر: أن الطينة إذا كانت لم تزل ساكنة ثم تحركت، فقد انقطع آخر سكونها، ولم ينقطع آخره إلا بعد انقطاع أوله، وإذا صح انقطاع أول السكون وآخره، فقد انقطع كله، وإذا انقطع كله فله نهاية وغاية، وإذا صح أن
(١) في (ب): من أن تكون.